وهذا الخبر يدل دلالة يعجز القلم عن استقصاء ما توحى به، من بيان ما كانت الصحابة عليه من الحاجة وشدة الفاقة والصبر على الجوع وبذل الوسع وإتعاب النفس في تحصيل القوام من العيش للتعفف عن السؤال وتحمل المتن، وأن تأجير النفس لا يعد دناءة، وإن كان المستأجر غير شريف أو كافرا والأجير من أشراف الناس وعظمائهم، وقد أورده صاحب المنتقى ليستدل به على جواز الإجارة معادة يعنى أن يفعل الأجير عددا معلوما من العمل بعدد معلوم من الأجرة.
(فرع) الإجارة عوض في مقابلة المنفعة كالثمن في مقابلة المبيع وحكمه كحكمه في جوازه معينا وفى الذمة، قال الشافعي: فالإجارات صنف من البيوع لأنها تمليك من كل واحد منهما لصاحبه اه.
ومن هذا اخذ الفقهاء انه عقد لازم لا يجوز فسخه إلا بعيب كالبيع، فإن كان العيب موجودا في الشئ المؤاجر كالدار إذا خربت والدابة إذا مرضت فللمستأجر أن يفسخ دون المؤجر كما لو وجد بالمبيع عيب كان للمشترى أن يفسخ دون البائع، وإن كان العيب موجودا في الأجرة فإن كانت في الذمة أبدل المعيب بغيره ولا خيار، وإن كانت معيبة فللمؤجر ان يفسخ دون المستأجر كما يفسخ البائع بوجود العيب في الثمن المعين دون المشترى: ولا يجوز فسخ الإجارة بعذر يطرأ إذا لم يطرأ في المعقود عليه عيب، ومن هنا كان لأصحابنا وجهان في انعقاده بلفظ البيع، ونظرا لان عقد الإجارة كعقد النكاح يؤخذ جانب البيع فيه بمفهوم المعاوضة وليس بمنطوق التعاقد لذلك قالوا: إنه يخالف البيع في الاسم والحكم فلم ينعقد بلفظه كالنكاح، والوجه الثاني: ينعقد بلفظ البيع لأنه تمليك يتقسط العوض فيه على الباذل كالبيع سواء بسواء.
إذا ثبت هذا: فهل المعقود عليه العين لأنها الموجودة فيقال: أجرتك داري أم أن العقد يتعلق بالمنفعة دون الأعيان، فيقال: أجرتك داري أو منفعة داري بكذا، أو بعتك منفعتها، وهذا الأخير هو قول مالك وأبي حنيفة وأحمد وأكثر أصحاب الشافعي، ويصح العقد على منفعة مضمونه في الذمة غير مضافة إلى عين كرجل استأجر من رجل عملا مضمونا في ذمته، وإذا كان كذلك فلابد أن تكون