والشجر، وما تم الانتفاع به مع عينه لم تصح اجارته كالدراهم والمأكول، لان منفعة الدراهم بإزالتها عن الملك، ومنفعة المأكول بالاستهلاك كاستئجار الدراهم والدنانير للجمال والزينة والطعام ليعتبر مكيلا ففيه لأصحابنا وجهان:
(أحدهما) يصح لوجود المعنى وحصول الانتفاع مع بقاء العين (والوجه الثاني) لا يصح لان هذا نادر من منافع ذلك، والأغلب سواه، فصار حكم الأغلب هو المغلب، ولان المنافع المضمونة بالإجارة هي المضمونة بالغصب، ومنافع الدراهم والطعام لا تضمن بالغصب كنشر الثياب فوق الشجر فلم يصح أن تضمن بالإجارة. وهكذا كل ما كانت منافعها أعيانا من النخل والشجر، لان منافعها ثمار هي أعيان يمكن العقد عليها بعد حدوثها، فلم يصح العقد عليها قبله.
فإن استأجر ذلك لمنفعة تستوفى مع بقاء العين كالاستظلال بالشجر أو ربط ماشية إليها فذلك ضربان:
(أحدهما) أن يكون هذا غالبا فيها ومقصودا من منافعها فتصح الإجارة عليها (والثاني) أن يكون نادرا غير مقصود في العرف، فيكون على ما مضى من الوجهين.
ثم العقد وان توجه إلى العين فهو أنه ربما تناول المنفعة لان الأجرة في مقابلتها وإنما توجه إلى العين لتعتبر المنفعة بها. وقال أبو إسحاق المروزي: العقد إنما تناول العين دون المنفعة ليستوفى من العين مقصوده من المنفعة، لان المنافع غير موجودة حين العقد فلم يجز أن يتوجه العقد إليها. وهذا خطأ، ألا ترى أنه قد يصح العقد على منفعة مضمونة في الذمة غير مضافة إلى عين؟ كرجل استأجر من رجل عملا مضمونا في ذمته، وإذا كان كذلك فلا بد أن تكون المنفعة معلومة كما لابد أن يكون المبيع معلوما، فإن كانت مجهولة لم تصح الإجارة، كما لو كان المبيع مجهولا، والعلم بها قد يكون من وجهين:
(أحدهما) تقدير العمل مع الجهل بالمدة (والثاني) تقدير المدة مع الجهل بقدر العمل، وسيأتي تفصيلهما وبالله والتوفيق.