فان تركه الجمعة أثموا جميعا إذا علموا فتركوه مع إمكان أخذه. على أن اللقيط حر في قول عامة أهل العلم الا النخعي.
قال ابن المذر: أجمع عوام أهل العلم أن اللقيط حر، روى هذا عن عمر وعلي رضي الله عنهما، وبه قال عمر بن عبد العزيز والشعبي والحكم وحماد ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأحمد بن حنبل وأصحاب الرأي ومن تبعهم.
وقال النخعي: إن التقطه للحسبة فهو حر، وإن كان أراد أن يسترقه فذلك له، وذلك قول شذ فيه عن الخلفاء والعلماء، ولا يصح في النظر، فان الأصل في الآدميين الحرية، فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحرارا، وإنما الرق للعارض فإذا لم يعلم ذلك العارض فله حكم الأصل.
واللقيط اما أن يوجد في دار الاسلام أو في دار الكفر: فالأولى ضربان، دار اختطها المسلمون وأحدثوا مبانيها ابتداء أو أعادوا بناءها بعد أن كانت لغيرهم لغلبة الاسلام عليها واصطباغها بصبغة الاسلام فلا يوجد فيها من غير المسلمين إلا قليل فلقيط هذه البلاد يحكم باسلامه، وإن كان فيها أهل ذمة تغليبا للاسلام ولظاهر الدار، ولان الاسلام يعلو ولا يعلى، فمثل التي أنشأها المسلمون الكوفة والبصرة وبغداد والقاهرة والفسطاط وتونس والرباط، ومثل التي أعادها المسلمون الإسكندرية ودمشق ودمنهور والقدس صانها الله وطهرها من رجس أعدائه اليهود، وقد مضى عام بتمامه منذ غزاها اليهود إلى ساعة كتابة هذا الفصل وحسبنا الله ونعم الوكيل.
(الضرب الثاني) بلاد فتحها المسلمون وبقى أهلها على دينهم فإذا وجد فيها مسلم واحد كان لقيطها مسلما تغليبا لحكم الاسلام ووجود مسلم فيها.
وأما بلد الكفار فضربان أيضا، بلد كان للمسلمين فغلب الكفار عليه كبلاد فلسطين فهذا كالضرب الذي قبله إن كان فيه مسلم حكم باسلام لقيطه: الثاني بلد لم يفتحه المسلمون من قبل أو فتحوه وغلب الكفار عليه واستأصلوا منه شأفة المسلمين كبلاد الأندلس (لهفي على قرطبة ومرسية وقشتالة وغرناطة ومجريط (مدريد) وميورقه كلهفي على ربوع المسجد الأقصى وما حوله من المباركات)