ذلك ولا يحكم له بالوكالة حتى يقيم البينة على وكالته.
وكذلك إذا وكله في غير مجلس الحكم ولم يشاهد الحاكم توكيله إياه، فإذا حضر لمخاصمة خصم الموكل ومطالبة غريمه لم يحكم له الحاكم بالوكالة ولم يمكنه من المخاصمة والمطالبة إلا بعد أن يقيم البينة على وكالته، لأنه مخاصم عن غيره فلم يكن له ذلك حتى يثبت السبب الذي به يستحق النيابة عن موكله، فإذا أقام البينة على وكالته كان له حينئذ أن يخاصم ويطالب، وليس من شرط البينة أن يقدم خصما من خصوم الموكل ولا غريما من غرمائه.
إذا أوجب رجل لرجل عقد الوكالة كان بالخيار، بين أن يقبل ذلك وبين أن يرده فلا يقبله، فإن أراد أن يقبل في الحال كان له ذلك، وله أن يؤخر ذلك فيقبله أي وقت أراد، ولهذا أجمع المسلمون على أن الغائب إذا وكل رجلا ثم بلغ الوكيل ذلك بعد مدة فقبل الوكالة، انعقدت.
فإذا ثبت هذا فله أن يقبل لفظا، وله أن يقبل فعلا مثل أن يتصرف في الذي وكله فيه، وكذلك إذا أودعه مالا وأحضر المال بين يديه فلا فرق بين أن يقبل الوديعة لفظا، وبين أن يقبلها فعلا بأن يأخذها ويحرزها، فإذا حصل القبول وانعقدت الوكالة كان لكل واحد منهما أن يثبت عليها وله أن يفسخها لأن الوكالة عقد جائز كعقد الجعالة.
فإذا ثبت ذلك فالعقود على أربعة أضرب: ضرب جائز من الطرفين، وضرب لازم من الطرفين، وضرب لازم من طرف وجائز من طرف، وضرب مختلف فيه.
فأما الجائز من الطرفين فمثل الجعالة والشركة والوكالة والمضاربة والوديعة والعارية وما أشبهها.
والضرب اللازم من الطرفين مثل البيع والإجارة، والنكاح على الصحيح من المذهب، لأن الزوج وإن كان يملك رفع العقد بالطلاق فليس ذلك بفسخ للعقد المتقدم، وهو بمنزلة أن يعتق العبد المبيع فإنه يزول الملك ويرتفع العقد،