والأول أقوى.
فإن كانت بالعكس من هذا فقال السيد: كانت صانعة أو تقرأ القرآن، فأنكر الغاصب، فالقول قول الغاصب، لأن الأصل أن لا صنعة ولا قراءة، وفيهم من قال: القول قول السيد لأنه أعرف بصفة ملكه، والأول أصح، لأنه وإن كان أعرف به فلا يقبل قوله على الغاصب في إيجاب حق عليه مما لا يعلم أصله.
إذا غصب منه مالا مثلا بمصر فلقيه بمكة فطالبه به لم يخل من أحد أمرين:
إما أن يكون لنقله مؤونة أو لا مؤونة لنقله.
فإن لم يكن لنقله مؤونة كالأثمان فله مطالبته به سواء كان الصرف في البلدين متفقا أو مختلفا، لأنه لا مؤونة في نقله في العادة، والذهب لا يقوم بغيره، والفضة لا تقوم بغيرها، إذا كانا مضروبين.
وإن كان لنقله مؤونة لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون له مثل، أو لا مثل له، فإن كان له مثل كالحبوب والأدهان نظرت: فإن كانت القيمتان في البلدين سواء، كان له مطالبته بالمثل، لأنه لا ضرر عليه في ذلك، وإن كانت القيمتان مختلفتين، فالحكم فيما له مثل وفيما لا مثل له سواء، فللمغصوب منه إما أن يأخذ من الغاصب بمكة قيمته بمصر، وإما أن يدع حتى يستوفي ذلك منه بمصر، لأن في النقل مؤونة والقيمة مختلفة فليس له أن يطالبه بالفضل، فإن صبر فلا كلام، وإن أخذ القيمة ملكها المغصوب منه، ولم يملك الغاصب ما غصب، لأن أخذ القيمة لأجل الحيلولة لا بدلا عن المغصوب، كما لو غصب عبدا فأبق فأخذنا منه قيمته فإن القيمة تملك منه، ولا يملك الغاصب العبد، فإن عاد إلى مصر والشئ قائم بحاله انتقض ملكه عن القيمة التي أخذها وعاد إلى عين ماله، كما قلناه في العبد الآبق، هذا الكلام في الغصب.
فأما الكلام في القرض، فالحكم فيه كالحكم في الغصب سواء لا يفترقان، فأما إن كان الحق وجب له عن سلم، لم يكن له مطالبته به بمكة لأن عليه أن يوفيه إياه في مكان العقد، ولا له مطالبته بالبدل، سواء كان لنقله مؤونة أو لا مؤونة