وذهب قوم إلى أن الإمام مخير فيه بين شيئين: بين أن يقسمه على الغانمين وبين أن يقفه على المسلمين، ذهب إليه عمر ومعاذ والثوري وعبد الله بن المبارك، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الإمام مخير فيه بين ثلاثة أشياء: بين أن يقسمه على الغانمين وبين أن يقفه على المسلمين وبين أن يقر أهلها عليها ويضرب عليهم الجزية باسم الخراج، فإن شاء أقر أهلها الذين كانوا فيها، وإن شاء أخرج أولئك وأتى بقوم آخرين من المشركين وأقرهم فيها، وضرب عليهم الجزية باسم الخراج.
وذهب مالك إلى أن ذلك يصير وقفا على المسلمين بنفس الاستغنام والأخذ من غير إيقاف الإمام فلا يجوز بيعه ولا شراؤه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروي أن النبي صلى الله عليه وآله فتح هوازن ولم يقسم أرضها بين الغانمين، فلو كانت للغانمين لقسمها فيهم، وروي أن عمر فتح قرى بالشام فقال له بلال: اقسمها بيننا فأبى عمر ذلك وقال: اللهم اكفني شر بلال وذريته، فلو كانت القسمة واجبة لكان يفعلها، عمر، وروي أن عمر استشار عليا عليه الصلاة والسلام في أرض السواد فقال علي عليه السلام: دعها عدة للمسلمين، ولم يأمره بقسمتها، ولو كان واجبا لكان يشير عليه بالقسمة.
مسألة 19: سواد العراق ما بين الموصل وعبادان طولا، وما بين حلوان والقادسية عرضا، فتحت عنوة، فهي للمسلمين على ما قدمنا القول فيه، وقال الشافعي: كانت غنيمة للغانمين فقسمها عمر بين الغانمين ثم اشتراها منهم ووقفها على المسلمين ثم آجرها منهم، وهذا الخراج هو أجرة.
وقال الثوري وابن المبارك: وقفها عمر على المسلمين، وقال أبو حنيفة: هذه الأرضون أقرها عمر في يد أهلها المشركين، وضرب عليهم الجزية باسم الخراج فهذا الخراج هو تلك الجزية، وعنده لا يسقط ذلك بالإسلام، وقال مالك:
صارت وقفا بنفس الاستغنام.