فصل: في حكم البيع والكنائس، وحكم البلاد والمساجد:
البلاد التي ينفذ فيها حكم الإسلام على ثلاثة أضرب: ضرب أنشأه المسلمون وأحدثوه، وضرب فتحوه عنوة، وضرب فتحوه صلحا.
فأما البلاد التي أنشأها المسلمون - مثل البصرة والكوفة - فلا يجوز للإمام أن يقر أهل الذمة على إنشاء بيعة أو كنيسة ولا صومعة راهب ولا مجتمع لصلاتهم، فإن صالحهم على شئ من ذلك بطل الصلح بلا خلاف. والبلاد التي فيها البيع والكنائس كانت في الأصل قبل بنائها.
وأما البلاد التي فتحت عنوة، فإن لم تكن فيها بيع ولا كنائس أو كانت لكن هدموها وقت الفتح فحكمها حكم بلاد الإسلام، لا يجوز صلحهم على إحداث ذلك فيها، وإن كانت فيها بيع وكنائس فصالح الإمام أهل الذمة على المقام فيها بإقرار بيعه وكنائسه على ما هي عليه لم يصح، لأنهم قد ملكوها بالفتح فلا يصح إقرارهم على البيع والكنائس فيها مثل الأول.
وأما ما فتح صلحا فهو على ضربين:
أحدهما أن يصالحهم على أن تكون البلاد ملكا لهم ويكونوا فيها مواد عين على مال بذلوه وجزية عقدوها على أنفسهم، فهاهنا يجوز إقرارهم على بيعهم وكنائسهم وإحداثها وإنشائها وإظهار الخمور والخنازير وضرب النواقيس فيها كيف شاءوا لأن الملك لهم يصنعون به ما أحبوا، بل يمنعون من إظهار الستة الأشياء التي تقدم ذكرها.
وإن كان الصلح على أن يكون ملك البلد لنا والسكنى لهم على جزية التزموها، فإن شرط لهم أن يقرهم على البيع والكنائس على ما كانت عليه جاز، وكذلك إن صالحهم على إحداث البيع والكنائس جاز، وإن لم يشرط ذلك لهم لم يكن لهم ذلك لأنها صارت للمسلمين.
والموضع الذي قلنا أن له إقرارهم على ما هي عليه إن انهدم منها شئ لم يجز لهم إعادتها لأنه لا دليل على ذلك، وبناؤها محرم ممنوع منه، وإن قلنا أن