إحديهما إلى نفسه ويقاتل الأخرى، ينوي بقتالها كسرها ومنعها عن البغي، ولا ينوي معاونة من يقاتل معها، فإذا ثبت أنه يقاتل مع إحديهما فإنه يقاتل مع التي هي إلى الحق أقرب، فإن كانا في التأويل سواء قاتل مع التي يرى المصلحة له في القتال معها، فإذا انهزمت تلك الطائفة أو أطاعته لم يكن له قتال التي قاتل معها حتى يدعو إلى الإجابة ويعذر إليها، لأن قتاله معها يجري مجرى الأمان لها.
لا يسوع للإمام العادل أن يقاتل أهل البغي بالنار، ولا أن ينصب عليهم المنجنيق لأنه إنما له أن يقاتل من أهل البغي من يقاتله منهم دون من لا يقاتله، فلو حرقهم بالنار ورماهم بحجر المنجنيق، لم يؤمن أن يقتل من لا يحل قتله، وإن اضطر إلى ذلك ساع ذلك له، وإنما يضطر إليه في موضعين:
أحدهما: على سبيل المقاتلة، وهو أن يقاتلوه بذلك فيقاتلهم به على سبيل الدفع عن نفسه.
والثاني: أن يحاصروه من كل جانب فلا يمكنه دفع أحد منهم إلا بهذه الآلة فحينئذ يقاتلهم به ليجعل لنفسه طريقا يخرج به من وسطهم.
إذا غلب أهل البغي على بلد فجبوا الصدقات وأخذوا الجزية واستأدوا الخراج، وقع ذلك موقعه عند الفقهاء، لأن عليا عليه السلام قد هزم الناس بالبصرة وبصفين ولم ينقل عنه أنه لم يعتد بما فعلوه، ولا استدرك عليهم، وعندنا لا يقع ذلك موقعه، غير أن للإمام أن يجيزه، لأنه إن أخذ منهم مرة أخرى أدى ذلك إلى الإضرار بالناس، فلذلك أجاز علي عليه السلام ذلك.
وأما الحدود إذا أقاموها فلا تعاد مرة أخرى لما ذكرناه، فإذا زالت أيديهم عنه وملكه أهل العدل طالبهم العادل بذلك، فإن ذكروا أنه استوفى منهم فإن أقاموا البينة به نفذها، وإن لم يكن له بينة، أما الصدقات إذا ادعى رب المال أنها قبضت منه، فالقول قوله مع يمينه لأنه أمين، وهذه اليمين على الوجوب عند قوم وعند آخرين على الاستحباب.
وهكذا إذا طالب الساعي رب المال بالزكاة فادعى أنها لا تجب عليه أو قد