يبذلوا الجزية وتجري عليهم أحكامنا، ولا يجتمعوا على قتال المسلمين، فإذا كان هذا شرطا في صحة عقد الذمة، لم تجزء الذمة بشرط قتال المسلمين، وأيضا لو كان لهم عهد وذمة مؤبدة فقاتلوا المسلمين انتقض عهدهم، فبأن لا يثبت لهم ذمة بهذا الشرط أولى، وأيضا عقد الأمان يقتضي الكف عنا وأن نكف عنهم، وهذا شرط أن لا يكف بعضنا عن بعض، وهذا يبطل العهد.
فإذا ثبت أنه لا ينعقد لهم أمان ولا عهد، فإذا أعانوا أهل البغي على قتال أهل العدل، كانوا كالمنفردين عنهم بالقتال، يقاتلون ويقتلون، مقبلين ومدبرين كأهل الحرب سواء، فإن وقعوا في الأسر كان الإمام مخيرا فيهم بين المن والقتل والاسترقاق والفداء، بل ليس لأهل البغي أن يتعرضوا لهم، لا لأن الأمان صح لهم لكن لأنهم قد بذلوا لهم الأمان، وإن كان فاسدا لزمهم الكف عنهم لسكونهم إليهم واعتمادهم على قولهم.
فإن قالوا: أليس عندكم أن عقد الأمان يصح من آحاد المسلمين كيف لم يصح من أهل البغي؟ قلنا: لم يصح لمعنى آخر، وهو أنهم شرطوا ما يبطله.
وأما إن استعانوا بأهل الذمة فعاونوهم وقاتلوا معهم فهل تنتقض ذمتهم أو لا؟ نظرت.
فإن ادعوا عذرا وذكروا شبهة، فإن قالوا: ما قاتلناكم طائعين بل مكرهين مقهورين، فالقول قولهم، وهكذا لو قالوا: القتال مع أهل البغي ظننا أن طائفة من المسلمين إذا طلبوا المعونة إعانتهم جائزة، فالقول قولهم، وكان هذا شبهة في بقاء ذمتهم، وثبوت عهدهم.
وأما إن قاتلوا عالمين بذلك فإنه تنتقض ذمتهم عندنا، وقال قوم: لا تنتقض، والأول أصح لأنهم لو انفروا بقتال أهل العدل نقضوا العهد، فكذلك إذا قاتلوهم مع أهل البغي، هذا إذا لم يشترط في أصل العقد لهم الكف عن القتال نطقا.
فأما إن كان مشروطا نطقا وخالفوه نقضوا الذمة، فكل موضع قلنا: انتقض