العهد، فهل يقتلون أو يسبون أو يردون إلى دار الحرب؟ قد بيناه في السير، ومتى قلنا: ما انتقض عهدهم، فهم كأهل البغي لا يتبع مدبرهم ولا يدنف على جريحهم كأهل البغي سواء.
فأما إن أتلفوا نفوسا وأموالا ضمنوها عندنا كما قلنا في أهل البغي، ومن قال:
لا ضمان على أهل البغي، أوجب على أهل الذمة الضمان، والفرق بينهما أن الله أمرنا بالصلح بين الطائفتين ولم يذكر ضمان الدم والمال، والطائفتان مؤمنتان، وليسوا هاهنا كذلك، والفرق الآخر أن الضمان سقط من أهل البغي لأن في تضمينهم تنفيرهم وبقاءهم على المخالفة والمباينة ولهذا سقط عنهم الضمان، وليس كذلك أهل الذمة، لأنا قد أمنا هذا فيهم فلا يخاف تنفيرهم ولا مقامهم على المعاندة، فلهذا ضمناهم.
وأما إن استعانوا بمن له أمان فقاتلوا معهم إلى مدة انتقض أمانهم، فإن ذكروا أنهم أكرهوا على ذلك وأقاموا البينة على ذلك كانوا على العهد، وإن لم يقيموا بينة انتقض أمانهم.
والفرق بينهم وبين أهل الذمة أن عقد الذمة أقوى وأوكد في بابه من عقد الأمان، بدليل أن الأمان إلى مدة والذمة مؤبدة ولأن على الإمام أن يكف عن أهل الذمة من يقصدهم كما يكف عن المسلمين من يقصدهم سواء، وليس كذلك المستأمن لأن الإمام يكف عنه من تجري عليه أحكامنا، فأما أهل الحرب فلا يكفه عنهم، فلما كانوا أقوى جاز أن تبقى الذمة مع هذه المعاونة، ولا يبقى عقد الأمان مع هذه المعاونة.
لا يجوز للإمام أن يستعين على قتال أهل البغي بمن يرى قتالهم مدبرين، ويجهز على جريحهم ويقتل أسيرهم، لأن قتلهم مدبرين ظلم وعدوان، فلا يستعين بمن يتعدى ويظلم فإن احتاج إلى الاستعانة بهم لم يجز إلا بشرطين:
أحدهما: ألا يجد من يقوم مقامهم.
والثاني: أن يكون مع الإمام عدة وقوة متى علم منهم قتلهم وقصدهم