إذا قصد رجل رجلا يريد نفسه أو ماله أو حريمه فله أن يقاتله دفعا عن نفسه بأقل ما يمكنه دفعه به، وإن أتى ذلك على نفسه لقوله عليه السلام: من قتل دون ماله فهو شهيد.
فإذا ثبت أن ذلك له، فهل يجب عليه الدفع عن نفسه أم لا؟
قال قوم: يجب عليه لقوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم، وقوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، ولأنه قادر على ما به خلاص نفسه من التلف، فلزمه فعله كالطعام والشراب.
وقال آخرون: لا يجب عليه وله أن يستسلم للقتل، فإن عثمان استسلم للقتل مع القدرة على الدفع، لأنه قيل إنه كان في داره أربعمائة مملوك، فقال: من ألقى سلاحه فهو حر، فلم يقاتل أحد فقتل، والأول أقوى لأن دفع الضرر واجب عن النفس بحكم العقل، وكذلك المضطر إلى طعام أو شراب نجس وجب عليه أن يتناوله، وقال بعضهم: لا يجب لأنه يتوفى نجاسة.
فإن قصده قاصد ليقتله وكان قادرا على الهرب منه وجب عليه الهرب، وقال قوم: لا يجب، وقال آخرون: إن كان يقدر على دفعه عن نفسه لا يجب، فإن لم يقدر على دفعه وقدر على الهرب وجب عليه الهرب.
أمان الحر المسلم والمرأة وأمان العبد إذا كان مأذونا له في القتال صحيح بلا خلاف.
فإذا ثبت أنه جائز فإنما يجوز أن يعقد الأمان لآحاد المشركين، والنفر اليسير، كالقافلة الصغيرة ونحو هذا، فأما إن أراد عقد الأمان لكل المشركين أو لجنس من أجناسهم كالترك والروم والهند فلا يصح لأن فيه افتتانا على الإمام.
وأما الإمام فيجوز له أن يعقد الأمان للكل، ولأي جنس شاء إذا كانت المصلحة في ذلك، فأما صاحب الإمام فإنما يعقد الأمان للجنس الذي في موضع نظره منهم، كوالي خراسان يعقد للترك، ووالي مصر يعقد للروم، ووالي عمان يعقد للهند.