فتلك الحالات النفسانية كما تحصل للإنسان تحصل لكثير من الحيوانات، أو لأجل العادة الجارية كما قد تكون في الإنسان أيضا، ولا ريب في انه لم يكن لأجل عدم نقض اليقين بالشك ولا يكون عودهم إلى محالهم غفلة كما قيل فإنه واضح الفساد أيضا.
وبالجملة الظاهر ان بناء العقلاء لا يكون الا لحصول الوثوق والاطمئنان لهم وهو حاصل لهم من ندرة حصول الرافع للشيء الثابت المقتضى للبقاء، نظير أصالة السلامة الناشئة عن ندرة حصول العيب في الأشياء وغلبة سلامتها بحيث يحصل الوثوق على طبقها، فالاستصحاب العقلائي لا يكون الا العمل على طبق الوثوق الحاصل مما ذكرنا، وليس هذا مطابقا للاستصحاب المدعى حجيته.
واما كون الاخبار واردة على طبق الارتكاز العقلائي فممنوع غاية المنع، لأن الظاهر من الكبرى المتلقاة منها ان ما هو موضوع لوجوب العمل هو اليقين بالحالة السابقة والشك في بقائها من غير دخالة شيء آخر فيه، وهذا امر تعبدي غير ارتكازي للعقلاء كما عرفت ان العلم بالحالة السابقة غير كاشف عن الحالة اللاحقة، والتعبير بأنه ليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك أبدا لا يدل على إرجاعه إلى ارتكازه كما توهم. ضرورة ان عدم نقض اليقين بالشك في مثل الوضوء مع حصول مقدمات النوم كالخفقة والخفقتين وتحريك شيء إلى جنبه مع عدم التفاته إليه، وفي مثل الظن بإصابة دم الرعاف فيمن حصل له الرعاف، ليس ارتكازيا للعقلاء، لأنهم في مثل تلك الموارد التي تكون في مظان حصول منافيات الحالة السابقة يتفحصون عنها، كما ترى ان في الصحيحة الثانية يقول: فان ظننت انه قد اصابه ولم أتيقن فنظرت فلم أر شيئا، فلم يكتف بالحالة السابقة حتى نظر إليه فصلى، مضافا إلى ان هذا التعبير كثيرا ما وقع في الاخبار فيما لا يكون على طبقه ارتكاز كما يظهر بالتتبع فيها، مع انك قد عرفت ان العمل على طبق اليقين المتعلق بحالة مع انقلابه إلى الشك في حالة أخرى لا يكون ارتكازيا، والحال ان مفاد الروايات هو ان لا ينقض اليقين بالشك من حيث ذاتهما من غير ان يحصل وثوق أو اطمئنان على البقاء.
فتحصل من جميع ما ذكرنا ان دعوى ان نكتة اعتبار الاستصحاب هي مطابقته