واما حديث تعارض الضررين فتقريره ان جواز حفر البئر ضرري منفي بدليل نفي الضرر، ودليل الضرر الرافع للجواز ضرري على المالك فينفي هذا المصداق بدليل نفي الضرر، فيتعارض دليل الضرر في مصداقين من نفسه، وذلك لأن القضية حقيقة منحلة إلى القضايا المتكثرة.
وفيه أولا انه لا يعقل ان يتكفل دليل نفي نفسه أو مصاديقه، فقوله: لا ضرر ولا ضرار، إنشاء لنفي الأحكام الضررية على مسلكهم فهذا الإنشاء لا يمكن ان ينفي نفس لا ضرر فيكون دليل النافي نافيا لنفسه ومعدما لذاته أو مصاديقه التي هي هو.
لا يقال: حكومة مصداق من لا تنقض اليقين بالشك على مصداق آخر في الشك السببي والمسببي من هذا القبيل، والحل ان حكومة مصداق من الدليل على مصداق آخر لا يلزم منه إعدام الشيء نفسه بل إعدام مصداق للشيء مصداقا آخرا وذلك غير ممنوع.
فإنه يقال: قضية الشك السببي والمسببي ليست من قبيل ما نحن فيه بل الاستصحاب الجاري في السبب يرفع الشك الذي هو موضوع الأصل السببي فلا يجري لعدم الموضوع وهذا مما لا مانع منه، واما لو فرض في مورد، نفي لا تنقض لنفسه، أي يتكفل إنشاء عدم نقض اليقين بالشك إعدام عدم النقض فهو أيضا محال وما نحن فيه من هذا القبيل، ومما ذكرنا يظهر حال الحل، فان انحلال القضية إلى القضايا لا يوجب إمكان إعدام الشيء نفسه وليس معنى الانحلال إنشاء قضايا متكثرة بل ليس في البين الا إنشاء واحد ولا يمكن ان تنحل قضية إلى مصداق ومعدم لمصداق آخر، وثانيا على فرض صحة تلك الحكومة لا معنى للتعارض بين المصداقين، لأن أحدهما الرافع للآخر حاكم عليه، وبعد الحكومة تصير النتيجة عدم جواز تصرف المالك.
وهاهنا تقرير آخر لبيان التعارض، وهو ان جواز التصرف منفي بلا ضرر، ومنع التصرف الناشئ من لا ضرر أيضا منفي بلا ضرر، فيتعارضان.
وفيه ان مفاد لا ضرر هو نفي الجواز لا المنع من التصرف بمعنى إثبات الحكم، ونفي الحكم ليس حكما حتى ينفي بلا ضرر.
وقد يقال (1): ان الحكم الناشئ من قبل لا ضرر لا يمكن ان ينفي بلا ضرر