فلما فرغ الرشيد من صلاته استدعى الاعرابي، فقال الحجاب: أجب أمير المؤمنين، فقال: مالي اليه حاجة فأقوم اليه، بل ان كانت الحاجة له فهو بالقيام إلي أولى، قال: صدق، فمشى اليه وسلّم عليه فردّ عليه السّلام، فقال هارون: أجلس يا أعرابي؟ فقال: ما الموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس، انما هو بيت اللَّه نصبه لعباده فان احببت أن تجلس فاجلس وان أحببت أن تنصرف فانصرف، فجلس هارون، وقال: ويحك يا اعرابي! مثلك من يزاحم الملوك! قال: نعم وفي مستمع، قال: فاني سائلك فان عجزت آذيتك قال: سؤالك هذا سؤال متعلم أو سؤال متعنّت؟ قال: بل متعلم، قال: اجلس مكان السائل من المسؤول وسل وأنت مسؤول، فقال: أخبرني ما فرضك؟ قال: ان الفرض- رحمك اللَّه- واحد، وخمسة، وسبعة عشر، وأربع وثلاثون، وأربع وتسعون، ومائة وثلاثة وخمسون على سبعة عشر، ومن اثني عشر واحد، ومن أربعين واحد، ومن مائتين خمس، ومن الدهر كله واحد، وواحدٍ بواحدٍ.
فضحك الرشيد وقال: ويحك أسألك عن فرضك وأنت تعد عليّ الحساب؟
قال: أما علمت أن الدين كله حساب ولو لم يكن الدين حساباً لما اتخذ اللَّه للخلائق حساباً ثم قرأ:«وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ» «1».
قال: فبين لي ما قلت، والا أمرت بقتلك بين الصفا والمروة.
فقال الحاجب: تهبه للَّه ولهذا المقام!
قال: فضحك الاعرابي من قوله.