له كواهل السيادة وامتطاها، وحكم في غنائم المجد فاختار صفاياها فاصطفاها» «١».
قال شقيق البلخي: «خرجت حاجّاً في سنة تسع وأربعين ومائة، فنزلت القادسية «٢» فبينما أنا أنظر الناس في مخرجهم الى الحاج وزينتهم وكثرتهم، إذا نظرت الى شاب حسن الوجه شديد السمرة نحيف، فوق ثيابه ثوب صوف مشتمل بشملة، في رجليه نعلان، وقد جلس منفرداً فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية، ويريد أن يخرج مع الناس فيكون كلّاً عليهم في طريقهم، واللَّه لأمضيّن اليه ولأوبّخنه فدنوت منه فلما رآني مقبلًا نحوه قال: يا شقيق «اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ» فتركني وولى، فقلت في نفسي: ان هذا الأمر عظيم تكلم على ما في خاطري ونطق باسمي، هذا عبد صالح لألحقنه واسأله الدعاء وأن يحللني مما ظننته به، فغاب عني ولم أره.
فلما نزلنا واقصة، فإذا هو واقف يصلي، فقلت: هذا صاحبي أمضي إليه واستحلّه فصبرت حتى فرغ من صلاته، فالتفت إلي وقال: يا شقيق «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى» ثم قام ومضى وتركني، فقلت: هذا الفتى من الأبدال قد تكلّم على سرّي مرتين.
فلما نزلنا زبالة، وإذا أنا بالفتى قائم على البئر وأنا أنظر اليه وبيده ركوة يريد أن يستقي فيها الماء، فسقطت الركوة من يده في البئر فرمق الى السماء بطرفه وسمعته يقول: أنت ربّي إذا ظمئت، وقوتي إذا طلبت طعاماً. ثم قال: اللهم الهي وسيدي، مالي سواك «3» فلا تعدمنيها. قال شقيق: فواللَّه لقد رأيت الماء ارتفع الى رأس البئر