السّلام فيما استقبله من فنون البلايا والنوائب وضروب الرزايا والمصائب لم يرتض بالصّبر عليها وترك الجزعٍ بل شكر اللَّه تعالى على أن اكرمه بها وفضّله واختصّه بمثوباتها ... ولا يضرّ نوحاً عليه السّلام قوله «رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً» «١» فانّه لم يدع عليهم الّا بعد أن أُوحي إليه انّه لن يؤمن من قومك الّا من قد آمن، فلمّا يئس من ايمانهم وأيقن باصرارهم على عدوانهم، دعا اللَّه سبحانه أن يخرجهم من الدّنيا فيريح المسلمين من وبالهم ويصيروا إلى جزاء افعالهم واقوالهم.
فكذلك المرتضى رضوان اللَّه عليه كان فيما يستقبله من أذى .. لا يزداد الّا شكراً للَّه سبحانه وايثاراً بالموجود وتركاً لطلب المفقود، فشكره اللَّه سبحانه في كتابه واثنى عليه بجميل خطابه فقال: «وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً ...» «2».
وامّا الاهلاك: فانّ نوحاً عليه السّلام كان سبب هلاك قومه بأن دعا عليهم فاستجيب له فيهم واغرقوا برمتّهم، فكذا المرتضى رضوان اللَّه عليه، كان سبب هلاك القوم من بين محبّ مفرط أو مبغض مفتري ... عن أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب كرم اللَّه وجهه، قال يهلك فيّ رجلان، محبّ مفرط ومبغض مفتري ...
قال البياضي: «نوح نجى من ركب في سفينته، وقد مثّل بها النّبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم أهل بيته فنجا من تمسّك بعلّيٍ وذريّته» «3».
عن عبيد بن عمير، قال: «كان نوح عليه السّلام يضربه قومه حتّى يغمى عليه، ثمّ يفيق فيقول: اللهم اهد قومي فانّهم لا يعلمون» «4».