فالكل غايب عن الكل فهذا غاية نقص الوجود في الذوات الجوهرية ولا بد ان تصل نوبة الوجود لان كل وجود هو مبدء اثر واثره أيضا نحو من الوجود انقص منه و هكذا فلو لم ينته سلسله الوجود إلى شئ يكون حيثية وجوده متضمنا لحيثية عدمه يلزم عدم الوقوف إلى حد فلا يوجد الهيولى التي هي محض القوة والامكان لكن لا بد من وجودها كما ستعلم وهذا أعني الصورة الجسمية وإن كان أمرا ظلمانيا الا انه من مراتب نور الوجود فلو لم تنته نوبة الوجود إليه لكان عدمه شرا وعدم ايجاده بخلا وامساكا من مبدعة وهو غير جائز على المبدء الفياض المقدس عن النقص والامكان على مقتضى البرهان ولأن عدم فيضان هذا الجوهر الظلماني يستلزم وقوف الفيض على عدد متناه من الموجودات لنهوض البراهين الدالة على تناهى المترتبات في الوجود ترتبا ذاتيا عليا ومعلوليا فينسد بذلك باب الرحمة والإجادة عن افاده الكائنات الزمانية المتعاقبة سيما النفوس الانسانية الواقعة في سلسله المعدات والعائدات وأيضا لو لم ينته سلسله الايجاد إلى الجوهر الجسماني لزم ان ينحصر الممكنات في العقول فان ما سوى العقول كالنفوس والطبايع والصور والاعراض كالكم والكيف والأين والمتى وغيرها لا يمكن وجودها الا مع الجسم أو بالجسم فهذه الوجوه وغيرها من القوانين الحكمية تدل دلالة عقلية على تحقق الممتدات الجوهرية في الوجود مع قطع النظر عن ما يوجبه الحس من وجود جوهر ممتد فيما بين السطوح والنهايات حامل للكيفيات المحسوسة فهذا الجوهر الممتد هو المسمى بالجسم الذي من مقولة الجوهر وقد يطلق بالاشتراك على معنى آخر من مقولة الكم كما ستقف على الفرق بينهما وقد عرفوا الجسم بالمعنى الأول بحسب شرح اسمه بأنه الجوهر القابل لفرض الابعاد الثلاثة.
ونقل عن الشيخ انه متردد في أن هذا التعريف للجسم حد أو رسم له وأبطل الفخر الرازي كونه حدا بان الجوهر لا يصلح جنسا للجسم ولا قابلية الابعاد فصلا له.