الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٣ - الصفحة ١٣٠
فان قلت فهلا فوضت هذه الأفعال إلى ملك واحد ولم احتيجت إلى سبعه املاك والحنطة أيضا يحتاج إلى طاحن ونخال ثانيا وصاب للماء اليه ثالثا وعاجن له رابعا والى قاطع له كرات مدورة خامسا والى مرقق له رغفانا عريضه سادسا والى من يلصقها بالتنور سابعا فهلا كانت افعال الملائكة باطنا كافعال الانس ظاهرا.
قلنا يجب عليك ان تعلم أن خلقه الملائكة تخالف خلقه الانس لان وجودهم وجود صوري بسيط من غير اختلاط تركيبي ولا تزاحم بين افعالهم كما لا تزاحم بين صفاتهم وذواتهم ولا يكون لكل منهم الا فعل واحد واليه الإشارة بقوله تعالى وما منا الا له مقام معلوم فلذلك ليس بينهم تناقش وتقاتل ولا تزاحم ولا تضاد في فعل أو صفه بل مثالهم في تعيين مرتبه كل منهم وفعله مثال الحواس منا فان البصر لا يزاحم السمع في فعله وهو ادراك الأصوات ولا الشم يزاحمها في ادراك الروائح ولا هما يزاحمان الشم ولا الذوق ولا غير ذلك يزاحم بعضها بعضا وليست هي كالأعضاء مثل اليد والرجل فان أصابع الرجل قد تبطش بطشا ضعيفا ورأينا انسانا يكتب بأصابع رجله وآخر يمشى بيديه وقد تضرب غيرك برأسك فيزاحم به اليد التي هي آله الضرب ولا كالانسان الواحد الذي يتولى بنفسه الطحن والعجن والخبز وهذا نوع من الاعوجاج والعدول عن العدل سببه اختلاف صفات الانسان واختلاف دواعيه فلم يكن وحداني الفعل ولذلك يرى الانسان يعصى الله مره ويطيعه أخرى وذلك غير ممكن في طباع الملائكة لأنهم مجبولون على الطاعة لا مجال للمعصية في حقهم فلا جرم لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون ويسبحون الليل والنهار لا يفترون والراكع منهم راكع ابدا والساجد منهم ساجد ابدا والقائم منهم قائم ابدا.
وهيهنا دقيقه يجب التنبيه عليها وهي ان لاحد ان يقول إذا كان كل ملك من ملائكة الله موكلا على فعل واحد
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»
الفهرست