من النطفة وأشير في الكتاب الإلهي إلى المرتبة الأولى للانسان بقوله تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا والى المرتبة الثانية والثالثة بقوله تعالى انا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه وبقوله هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة وبعد هذا المنازل والمراتب يتكون له القوى النباتية والأعضاء الإلهية لها ثم يدخلها في باب الحيوانية لقوله فجعلناه سميعا بصيرا ثم يتدرج له الكون إلى أن يحدث له الأكوان الحيوانية كلها التي أولها قوه المس وآخرها قوه الوهم ثم ينشأ فيه خلق آخر كما قال تعالى ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.
فانظر أيها الناظر في علوم آفاق والأنفس إلى النطفة وهي مائية قذره لو تركت ساعة لفسد مزاجها كيف أخرجها رب الأرباب من بين الصلب والترائب وحفظها عن التلاشي و الافتراق ثم جعلها في قرار مكين ثم جعلها وهي بيضاء علقه حمراء ثم جعلها مضغه ثم انظر كيف قسم اجزاء النطفة وهي متشابهه إلى العظام والأعصاب والعروق والأوتار واللحوم وغيرها من الأعضاء البسيطة ثم كيف ركب من هذه الأعضاء البسيطة الأعضاء المركبة من الرأس واليد والرجل وغيرها وشكلها باشكال مختلفه مناسبه لأفاعيلها كما يستعلم من قواعد علم التشريح وغيره ثم خلق هذا كله في جوف الرحم في ظلمات ثلث (1) ولو كشف الغطاء عنك وامتد البصر منك إليها لكنت ترى التخاطيط والتصاوير يظهر عليها شيئا فشيئا ولا ترى آلته فسبحان من مصور (2) فاعل للنقوش والتصاوير لا يرى في تصويره آله ولا إصبع ثم إذا بلغ في تدرجه في الاستكمال إلى جذب الغذاء وفعل النماء أفاض عليها صوره