الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٣ - الصفحة ١٣٣
اليه صور المحسوسات الخمس للتحفظ والتذكر والا لطال عليك الامر في معرفه الأشياء المحسوسة لو لم يكن صورتها محفوظه عندك فانعم الله عليك بمشاعر أخرى باطنه لتحفظ بها صوره ما تحسه وتذكرها متى شئت وتتصرف فيها وهذا كله يشاركك فيه الحيوانات ولو لم يكن لك الا هذا لكنت ناقصا لعدم ادراك عواقب الأمور وغاياتها العقلية فميزك الله وفضلك على كثير من خلقه تفضيلا وشرفك تشريفا بقوة أخرى هي قوه العقل تدرك مضره الضار ومنفعه النافع في المال وتدرك الخيرات الحقيقية والشرور الآجلة فهذا أنموذج في بيان ما أنعم الله عليك في باب الادراك واما بيان ما أنعمه عليك من القوى المحركة التي هي طائفه أخرى من جنود الله وكيفية نظمها وترتيبها فيك فهو انه لو خلق المشاعر والمدارك حتى تدرك بها الأمور التي لها مدخل في استكمالك وحفظ بقاءك ما دمت في الدنيا من أسباب التغذية وغيرها حتى تدركها من بعد أو قرب ولم يخلق لك ميل في الطبع وشهوة له وشوق اليه يستحثك على حركة ثم قدره في آلات البدن يتحرك اليه لكان الادراك معطلا فاضطررت إلى أن يكون لك ميل إلى ما يوافقك يسمى شهوة ونفره عما يخالفك يسمى كراهة فخلق فيك شهوة الغذاء لبقاء شخصك وشهوة النكاح لبقاء نوعك ووكلها بك كالمتقاضي يلجئك إلى تناول الغذاء وغيره.
ثم هذه الشهوة لو لم تسكن إذا حصل مقدار الحاجة من المشتهى والمرغوب فيه لاسرفت وأهلكت نفسك فخلق الله لك الكراهة عند الشبع ونحوه لتترك الفعل كالأكل ونحوه لا كالزرع فإنه لا يزال تجتذب الماء إذا انصب في أسافله حتى يفسد فيحتاج إلى آدمي يقدر غذاء ه بقدر الحاجة.
ثم انك قد علمت أن لك قوه طبيعية بها تشارك النبات وهي منبثة في جميع البدن منبعها الكبد وقوه أخرى تشارك بها الحيوان منبثة في الأعضاء (1) تشارك بها الحيوان كله

(1) وهي القوة الحيوانية باصطلاح الأطباء وهي قوه تستعد بها الأعضاء لقبول الحس وحركة وان شئت قلت قوه بها القبض والبسط للقلب والشرائين ترويحا للروح وبالجملة بها اصلاح الروح البخاري قد يطلق القوة الحيوانية على القوى الدماغية الآتية فيما يلي هذا وليست مقصوده هنا س قده.
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»
الفهرست