الوجه بوجوه أحدها كما في البيض المسلوق فإنه يصير أشد بياضا مع أن النار لم يحدث فيه تخلخلا وهوائية بل أخرجت الهوائية عنه ولهذا صار أثقل.
وثانيها كما في الدواء المسمى بلبن العذراء فإنه يكون من خل طبخ فيه مرداسنج حتى انحل فيه ثم يصفى حتى يبقى الخل في غاية الاشفاف ثم يطبخ المرداسنج في ماء طبخ فيه القلى ويبالغ في تصفيته ثم يختلط المائان فينعقد فيه المنحل الشفاف من المرداسنج ويصير في غاية الابياض كاللبن الرايب ثم يجف بعد الابياض فليس ابياضه لأنه شفاف متفرق قد دخل فيه الهواء والا لم يجف بعد الابياض وكما في الجص فإنه يبيض بالطبخ بالنار لا بالسحق والتصويك مع أن تفرق الاجزاء ومداخلة الهواء فيه أظهر.
وثالثها اختلاف طرق الاتجاه من البياض إلى السواد حيث يكون تارة من البياض إلى الغبرة ثم العودية ثم السواد وتارة إلى الحمرة ثم القتمة ثم السواد وتارة إلى الخضرة ثم النيلية ثم السواد يدل على اختلاف ما يتركب عنه الألوان إذ لو لم يكن كذلك لم يكن في تركيب السواد والبياض الا الاخذ في طريق واحد ولم يكن اختلاف الا بالشدة والضعف لهما.
ورابعها انعكاس الحمرة والخضرة ونحوهما من الألوان إذ لو لم يكن اختلافها الا لاختلاط المشف بغيره لوجب ان لا ينعكس من الأحمر والأخضر وغيرهما الا البياض لان السواد لا ينعكس بحكم التجربة.
هذا تلخيص ما افاده في الشفاء ودلالة هذين الوجهين على أن سبب اختلاف الألوان لا يجب ان يكون هو التركيب بين السواد والبياض أقوى من دلالتهما على أن سبب البياض لا يجب ان يكون مخالطه الهواء للاجزاء الشفافة مع أن في كل منهما موضع نظر لجواز ان يقع تركب السواد والبياض على أنحاء مختلفه وان يقع انعكاس السواد عند الامتزاج لا عند الانفراد.