حاضره عنده مع جواز سلب كل امر عنه فإذا ظهر له ان هذه الحالة يسمى في عرف الحكماء بالجوهرية وان الموصوف بها إذا كان في حد ذاته مع قطع النظر عن غيره موصوفا بها كان جوهرا وكان الجوهر ذاتيا له فعند ذلك لا يشك في كون ذاته جوهرا ومن توقف في كون نفسه جوهرا أو عرضا فذلك اما لعدم اطلاعه على معنى الجوهر أو لعدم تهذيبه وتلخيصه لهذه المعاني الثابتة عنده أو لاستغراقه فيما يشغل سره ويحجبه عن درك الحق ومثل هذه الحجب والغفلات واقع لأكثر الخلق لاشتغالهم بما يلهيهم عن تذكر ذواتهم ومقوم ذواتهم وما ينسيهم أنفسهم ويحول بين المرء وقلبه كما أشار إليه تعالى في كثير من آيات الكتاب المبين.
ومما يجب ان يعلم أيضا ان النفس الانسانية في أول تكونها ليست مفارقه القوام عن البدن بالفعل بل لها استعداد القوام بنفسه والاستغناء عن المحل والمفارقة عن المواد عند استكمالها بادراك العقليات وتصفيتها عن الكدورات وليست هذه الحالة لكل أحد بل الذي يدعى ان لكل انسان ان يلاحظ نفسها كأنها فارقت الأجسام والأوضاع والأمكنة والحركات والأزمنة في معرض المنع بل الظاهر أن أكثر الناس لا يمكنهم هذه الملاحظة ولا يتيسر لهم تجريد النظر إلى ذاتهم وتلخيصها عن الزوائد لانغمارها في ظلمه بحر الهيولى وغسق ليل الطبيعة والوجه الثالث من الوجوه المعتمد عليها عنده ان لكل مهية جوهرية يتصور أمور ثلاثة استغناؤها عن الموضوع وكون المهية علة للاستغناء عنه بشرط الوجود والمهية التي عرضت لها هذه العلية.
فان أريد بالجوهر المعنى الأول فلكونه معنى سلبيا لا يصلح للجنسية وان فسر بالثاني لم يكن ذلك أيضا معنى جنسيا لان العلية حكم من احكام المهية يلحقها بعد تمام تحققها فان الشئ ما لم يتحقق مهيته استحال ان يصير علة بالفعل لشئ من الأشياء على أن عليه العلة ليست أمرا ثبوتيا فضلا عن أن يكون معنى جنسيا وان فسر بالثالث فنقول من الجائز ان يكون معروض هذه العلية في كل جوهر هو