ذلك الوجود منه شر له ووبال وزوال كما له أيضا شر دون ذلك الشر سواء أدرك وجوده أو كمال وجوده أو لم يدرك أو أدرك عدمه أو عدم كماله أو لم يدرك كما في الجمادات وغيرها فان الوجود أو الكمال شئ وادراك ذلك الوجود أو الكمال شئ آخر.
واما العلم والادراك مطلقا فليس كما زعمه هذا التحرير عبارة عن اضافه محضه بين العالم ومعلومه من غير حاجه إلى وجود صوره والا فلم يكن منقسما إلى التصور والتصديق ولا أيضا متعلقا بالمعدوم حين عدمه ولا أيضا حصل علم الشئ بنفسه إذ لا اضافه بين الشئ والمعدوم ولا بينه وبين نفسه بل المراد بالعلم هو نفس الصورة الموجودة المجردة عن المادة ضربا من التجرد للذات المجردة أيضا ضربا من التجرد من حيث تجرده ومراتب التجريد متفاوتة فللمحسوسة عن أصل المادة وللمتخيلة عنها وعن الوضع وللمعقولة عنهما وعن المقدار أيضا.
وهذه الصورة مماثله للمعلوم وهي قد تكون مماثله للعالم كعلم الانسان بذاته إذا كان بصوره زائدة عليها وقد يكون عينه كوجود الصورة المجردة القائمة بذاتها فان تلك الصورة علم ومعلوم وعالم أيضا لصدق مفهوماتها الثلاثة عليها وقد يكون مماثلا لبعض قوى العالم كعلم الانسان بالمحسوسات الملائمة لحواسها كالألوان الملمعة والأصوات الطيبة والروائح البهية والمطاعم الشهية والملابس الناعمة وقد يكون الصورة مضاده للعالم أو لبعض قواه فالأول كشعور الانسان بصوره جهله وحمقه ورذائله.
واما الثاني فكاحساسه بالألوان الكدرة المظلمة والأصوات الكريهة والروائح المنتنة والمذوقات المرة العفصة والملابس الخشنة.
فإذا تقررت هذه المعاني فعلم أن الوجود في نفسه خير وبهاء كما أن العدم في نفسه شر على ما حكم به الفطرة وإذا حصل الوجود لشئ كان خيرا وبهاء لذلك الشئ والعلم عبارة عن ضرب من وجود شئ لشئ فيكون أيضا كمالا له الا ان يكون مضرا ومضادا لكمال آخر له فان وجود الحرارة لو أمكن اجتماعه مع البرودة وحصوله لها