وتزدهي بما ألبسته من ريط أزاهيرها (1) وحلية ما سمطت به (2) من ناضر أنوارها وجعل ذلك بلاغا للأنام ورزقا للأنعام!) ثم إن عليا يوجز الفكرة البعيدة في ما شاهده امرؤ القيس من عمل المطر في الجبال والسباع، بهذه الكلمة: (من تعظم على الزمان أهانه.) وإن هذه الروائع التي عبرت بنا في هذا الفصل، لتنبع كلها من معين واحد بالرغم من اختلاف موضوعاتها وتباين أغراضها وتباعد ظروفها. ففيها جميعا هذه الأصالة في الفكر والحس والخيال والذوق، التي تربط بين صاحبها وجملة الكائنات في وحدة وجودية مطلقة!
وأراك حيث رحت في أدب علي بن أبي طالب، شاعرا بهذه الأصالة التي تحدوه أبدا إلى اكتناه الروابط الخفية الكامنة وراء مظاهر الحياة والموت، ووراء الأشكال التي تختلف على الحقيقة الواحدة الثابتة التي لا تختلف. وما نزعته التوحيدية الجامحة إلا نزعة الأديب الحق يريد أن يركز الوجود، في عقله وقلبه على السواء، على أصول لا يجوز فيها قديم ولا جديد!
ويتبين من نهج البلاغة أن نظريات ابن أبي طالب الاجتماعية والأخلاقية، تنبع بصورة مباشرة أو غير مباشرة من هذه النظرة الواحدة الشاملة إلى الوجود. فما أقرب الموت من الحياة في سنة الوجود. وما أقرب طرفي الخير والشر. وما أكثر ما يجتمع الحزن والسرور في قلب واحد في وقت معا، والكسل والنشاط في جسد واحد. (فرب بعيد هو أقرب من قريب - في أدب ابن أبي طالب - ورب رجاء يؤدي إلى الحرمان، وتجارة تؤول إلى الخسران). وليس عجيبا أن يجوز في الناس قول ابن أبي طالب: من حفر لأخيه بئرا وقع فيها، ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومن تكبر على الناس ذل) فالدائرة الوجودية الواحدة تقضي على الناس والأشياء والكائنات جميعا بالخضوع لقاعدتها