(ومع فتق سمعه خط كمستدق القلم في لون الأقحوان أبيض يقق: فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق. وقل صبغ إلا وقد أخذ منه بقسط وعلاه بكثرة صقاله وبصيص ديباجه ورونقه فهو كالأزاهير المبثوثة لم تربها أمطار ربيع ولا شموس قيظ. وقد ينحسر من ريشه ويعرى من لباسه فيسقط تترى، وينبت تباعا، فينحت من قصبه انحتات أوراق الأغصان ثم يتلاحق ناميا حتى يعود كهيئته قبل سقوطه: لا يخالف سالف ألوانه، ولا يقع لون في غير مكانه. إذا تصفحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردية، وتارة خضرة زبرجدية، وأحيانا صفرة عسجدية، فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن، أو تبلغه قرائح العقول، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين!) وإليك قليلا من قوله في خلق السماء والأرض: (فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه. ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء، وشق الأرجاء، وسكائك الهواء، فأجرى فيها ماء متلاطما تياره متراكما زخاره، حمله على متن الرياح العاصفة، والزعزع القاصفة. ثم أنشأ سبحانه ريحا أعتق مهبها، وأعصف مجراها، وأبعد منشأها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار، وإثارة موج البحار، فمخضته مخض السقاء وعصفت به عصفها بالفضاء ترد أوله إلى آخره وساجيه إلى مائره..) وأوصيك خيرا بهذه الآيات الروائع التي تتحدث بها عبقرية الإمام إلى المركب الإنساني جميعا فتصور له كيف يستوي الجليل واللطيف من الكائنات، والشمس والقمر، والماء والحجر، والكبير والصغير، والهين والصعب، في معنى الوجود. وكيف تشترك جميعا في صفة الكون فإذا هي متساوقة متعاونة في النشيد الأعظم: نشيد الوجود الواحد الذي لا يجوز فيه تعظيم الدوحة العاتية على حساب النبتة النامية، ولا يصح فيه تمجيد البحر الواسع واحتقار الساقية التي تضيع مياهها بين العشب والحصى.
يقول علي (لو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة. وما الجليل واللطيف، والثقيل والخفيف، والقوي والضعيف، في خلقه إلا سواء