يتفاعل مع الكون والحياة تفاعلا مباشرا مستمرا إذ يحس ويستلهم بعقله وشعوره وخياله ومزاجه وذوقه جميعا، أي بجملة كيانه. وهو، إلى ذلك، أسبق وأعمق. فالأديب أستاذ الفيلسوف: أستاذه ودليله منذ كان، وأستاذه ودليله إلى الأبد!
وإذا كان هذا هو الأمر، وهو كذلك، فإن علي بن أبي طالب عظيم من عظماء هذه الطائفة من حيث النظرة والأسلوب: طائفة الأدباء الخالدين الذين ينظرون إلى نجوم السماء ورمال الصحراء ومياه البحار وكساء الطبيعة فإذا هي أشياء من نفوسهم، هذه النفوس التي تستشعر في الكون قوة وجودية واحدة جامعة كانت منذ الأزل وتبقى إلى الأبد.
يقول ميخائيل نعيمة الذي يمثل طاقة الفنان على الاحساس العميق بوحدة الوجود في أدبنا العربي المعاصر: (بل كيف يكون أديبا من لا يحس جذوره في الأزل والأبد، ولا يحس ما مضى وما سيأتي!) إن هذا الاحساس بالجمال الأسمى الذي يلف الكائنات جميعا. على تباين مظاهرها، بوشاح واحد، هو ما تراه في آثار عباقرة الأدب مهما تنوعت موضوعات هذه الآثار، ومهما اختلفت ظروفها. فإذا أنت سمعت صوت الشاعر العظيم ينطق بلسان المسيح قائلا:
(تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو، ولكن أقول لكم إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها!) سمعت صوتا من أعظم ما سمع الكون، وأدركت أمتع نظرة تخترق أعماق الجمال الكلي، وتساءلت: أنى للتراب والصخر وسحب السماء أن تأتي بمثل هذه الروعة وهذا الجمال، جمال زنابق الحقل وهي تنمو، لو لم تكن وحدة الوجود هذه ولو لم يكن الجمال مدار الوجود الواحد، ورابطة أجزائه منذ البداية حتى النهاية؟ وهو، في الوقت ذاته، مدار الفكرة والشعور لدى الفنان: الخالق الصغير!
ومن ذلك قول المسيح الرائع وقد جاؤوه بزانية جعلت على نفسها سبيلا بحكم شرائعهم:
من كان منكم بلا خطيئة فليرجم هذه الزانية بحجر!
وإذا أنت سمعت قول الشاعر العظيم ينطق بلسان سليمان بن داود:
(جيل يمضي وجيل يأتي والأرض قائمة مدى الدهر. والشمس تشرق والشمس تغرب