المسح، لأن الصلاة لم تجز بدون الوضوء، ففي هذا الوقت لم يسبغوا المسح إلى الكعبين، فناداهم النبي (ص) بالإسباغ. واحتمال الغسل اختراع لا يدل عليه لفظ الحديث (كما في الفتح) وهو هذا، فتمسك بهذا من يقول بأجزاء المسح، ويحمل الإنكار على ترك التعميم. (ثم قال)، قال الطحاوي: لما أمرهم بتعميم غسل الرجلين حتى لا يبقى منهما لمحة دل على أن فرضهم الغسل، وتعقبه ابن المنبر بأن التعميم لا يستلزم الغسل، فالرأس تعم بالمسح، وليس فرضها الغسل (1).
وفيه: تمسك من اكتفى بالمسح بقوله تعالى " وأرجلكم " عطفا على " وامسحوا برؤوسكم "، فذهب إلى ظاهرها جماعة من الصحابة والتابعين، فحكي عن ابن عباس (في رواية ضعيفة)، والثابت عنه خلافه. وعن عكرمة، والشعبي، وقتادة (وهو قول الشيعة)، وعن الحسن البصري:
الواجب الغسل، أو المسح. وعن بعض أهل الظاهر يجب الجمع بينهما (2).
وفي (مجمع البحرين ومطلع النيرين) في لغة القرآن والحديث للشيعة قوله (عليه السلام):
ويل للأعقاب من النار، وهو إن صح فالمراد به التحرز من رشاش البول.
وروى أن قوما من أجلاف الأعراب كانوا يبولون، وهم قيام فينشر نشر البول على أعقابهم، وأرجلهم فلا يغسلونها، ويدخلون المسجد للصلاة، وكان ذلك سببا للوعيد.
وفي السيف الماسح، (بعد ذكر حديث ويل للأعقاب من النار): فبعد تسليمه لا يدل إلا على أمره (ص) بغسل الأعقاب فلعله لنجاستها، فإن أعراب (الحجاز) ليبس هوائهم ولمشيهم حفاة في الأغلب كانت أعقابهم تنشق كثيرا، وقل ما تخلو عن نجاسة الدم، وغيره. وقد اشتهر أنهم كانوا يبولون عليها ويزعمون أن البول علاج لها فإن صدر عنه (ص) أمر بغسل الأعقاب فلعله كان لذلك، ثم اشتبه فظن أنه من الوضوء (3). وفي (الأشباه والنظائر)، في الذخيرة: أن المسح أولى لإظهار الاعتقاد، ورفع تهمة البدعة، والعمل بقراءة الجر (4)، (كذا في مجمع البحرين في أدلة الفريقين) (5).
وفي شرح الفقه الأكبر لعلي القاري قوله تعالى: " وأرجلكم إلى الكعبين " قرأ بالنصب، وبالجر وهما متعارفان (6).
وفي الكبيري (شرح منية المصلي للحنفية): " وأرجلكم " إلى الكعبين في السبعة بالنصب، والجر والمشهور أن النصب بالعطف على وجوهكم، والجر على الجوار، والصحيح أن (الأرجل) معطوفة على (الرؤوس) في القراءتين، ونصبها على المحل وجرها على اللفظ، وذلك لامتناع العطف على المنصوب بالفضل بين العاطف والمعطوف عليه بجملة أجنبية. والأصل أن يفصل بينهما بمفرد فضلا عن الجملة، ولم يسمع في الفصيح نحو (ضربت زيدا، ومررت بعمر وبكرا) بعطف (بكر) على (زيدا). وأما (الجر) على الجوار فلا يكون في عطف النسق لأن العاطف يمنع