في الخصائص للنسائي عن أبي ذر (في حديث طويل) قال عمر لرسول الله (ص): من تعني؟
قال: ما إياك أعني، ولا صاحبك. قال: فمن تعني؟ قال خاصف النعل. وكان علي (ع) يخصف النعل... (الحديث) (1).
أقول: قد ظهر مما سبق من إعانة عمر لبيعة أبي بكر، ومن هذا الحديث، ومن استخلاف أبي بكر لعمر مع إنكار الصحابة عليه، وبكتابة عثمان من نفسه لفظ عمر (كما سيأتي)، أن المودة، والأخوة، والمؤانسة، والمعاونة بين (الشيخين) كانت مشهورة مؤكدة غير مخفية بحيث يجلب كل واحد منهما المنافع للآخر كنفسه، وأمرها واحد في جميع الأمور كما مر من قول علي (ع) من (الإمامة والسياسة)، وكان عمر أشد وأقوى على أبي بكر بحيث يخاف أبو بكر منه ويقتدي به في آثاره، (كما في كنز العمال (مسند عمر) عن عبيدة، قال: جاء عينية بن حصين، والأقرع بن حابس إلى أبي بكر فقال: يا خليفة رسول الله إن عندنا أرضا سبخة ليس فيها كلا، ولا منفعة إن رأيت أن تقطعناها لعلنا نحرثها ونزرعها (ولعل الله أن ينفعنا). فأقطعها إياهما، وكتب لهما عليه كتابا وأشهد فيه عمر، (وليس في القوم)، فانطلقا إلى عمر ليشهداه فلما سمع عمر ما في الكتاب تناوله من أيديهما ثم تفل فيه، ومحاه فتذمرا فقالا مقالة، قال عمر: إن رسول الله كان يتألفكما والإسلام يومئذ ذليل، وإن الله قد أعز الإسلام فاذهبا فاجهدا جهدكما لا رعى الله عليكما إن رعيتما. فأقبلا إلى أبي بكر وهما يتذمران فقالا: والله ما ندري أأنت الخليفة أم عمر؟! فقال: بل هو ولو شاء لكان. فجاء عمر مغضبا حتى وقف على أبي بكر فقال: أخبرني عن هذه الأراضي التي أقطعتها هذين الرجلين أهي لك خاصة أم هي بين المسلمين عامة؟ قال: بل هي بين المسلمين عامة. قال: فما حملك أن تخص هذين بها دون جماعة المسلمين؟ قال: استشرت هؤلاء الذين حولي فأشاروا علي بذلك. قال: فإذا استشرت هؤلاء الذين حولك، أو كل المسلمين أوسعت مشورة ورضى؟ فقال أبو بكر: قد كنت قلت لك إنك أقوى على هذا مني ولكنك غلبتني، (رواه ابن أبي شيبة، والبخاري في تاريخه، ويعقوب بن سفيان، والبيهقي، وابن عساكر) (2).
وهكذا في إزالة الخفاء وفيه: فقال أبو بكر لمن حوله من الناس: ما ترون؟ قالوا: فكتب لهما بها كتابا، وأشهد فيه شهودا وعدد ممن كان حاضرا فانطلقا إليه ليشهد في الكتاب فوجداه قائما يهنأ بعيرا فقالا: إن خليفة رسول الله (ص) كتب لنا هذا الكتاب وجئناك لتشهد على ما فيه فتقرأ أم نقرأه عليك؟ قال أعلى الحال التي تريان إن شئتما، فاقرأه وإن شئتما فانتظرا حتى أفرغ؟ قالا بل نقرأه عليك، فلما سمع ما فيه أخذه منهما ثم تفل فيه (3).
في البخاري: لما اعترض حباب بن المنذر على أبي بكر أجاب أبو بكر بما نقله ابن قتيبة في الإمامة والسياسة، قال أبو بكر: أمنا تخاف يا حباب؟ قال: ليس منك أخاف، ولكن ممن يجئ بعدك. قال أبو بكر: فإذا كان ذلك كذلك فالأمر إليك وإلى أصحابك ليس لنا عليك طاعة (4).
وفي إزالة الخفاء: إن أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه فقال الناس: تستخلف