" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "، و " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل "، والقرآن كلام مالك الملوك، وكلام الملوك ملك الكلام قال في شأنه " تفصيلا لكل شئ " و " تبيانا لكل شئ " لكن هو كتاب صامت وليس بناقص، لكن عقول كل الناس لا تدركه حق إدراكه بمجرد السماع عنه السلام، أو ممن بعده.
كما يشهد عليه حال كبار الصحابة فضلا عمن بعدهم من الصحابة والتابعين وغيرهم بل الذين قال عز وجل في شأنهم " هو آيات بينات في صدور الذين أتوا العلم وإن الذين أتوا العلم من قبل إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا " أحق بإدراكه، " ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أتوا العلم ماذا قال آنفا " (1)، شاهد صدق على ما قلنا و (التفصيل سيأتي إن شاء الله في علم الشيخين)، فالذين أوتوا العلم من قبل ومن قبل في حقه " وعلمك ما لم تكن تعلم "، و " علمناه من لدنا علما، هم واقفو رموز القرآنية، وعالمو أسراره لكون علمهم وهبيا كما قال سيد الأوصياء، إمام الأمة، أبو الأئمة علي عليه السلام " وهب لي عقلا "، " ولو وضعت لي وسادة وجلست عليها لأخبرت... " الخ، وسيأتي في علمه مستوفى.
وقد ألف الإمام الغزالي رسالة في (العلم الوهبي). وأما الذين علمهم كسبي فبعد جهدهم البليغ وتحصيلهم القواعد العربية من النحو واللغة وغيرهما قل ما يطلعون على بعض مدركاته الظاهرية ويعتبرون منه على قدر عقولهم، وأفهامهم، واختلاف تفاسيرهم شاهد صدق على عدم علمهم باليقين، كما أن الإمام الرازي، والزمخشري، والسيوطي مع جلالة قدرهم في العلوم لم يفتوا بقول واحد بل قد جاوزوا الأربعين، أو الخمسين قولا بل قالوا (يحتمل)، و (يمكن)، و (أعترض عليه)، و (ها هنا بحث وفيه شئ)، وما شابه ذلك، ويرد بعضهم قول بعض.
وهذا ليس من شأن القرآن الحكيم وحاشاه ثم حاشاه، لأنه " لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، ولتبين لهم الذي اختلفوا فيه "، والغرض من نزول القرآن رفع الاختلاف. ومن البين أن التفسير بالرأي (مع أنه مذموم) دال على عدم أخذهم علم القرآن من الذين أتوه، وقول النبي - ص - (غير مرة) " إني تارك فيكم الثقلين ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض "، فلا تسبقوهما ولا تعلموهما " وهو خبر متواتر (كما ذكر) دال على أن عالم القرآن عترته عليهم السلام " علي مع القرآن، والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض "، " أنا مدينة العلم وعلي بابها " " لو وقرت سبعين بعيرا من تفسير أم القرآن " " سلوني قبل أن تفقدوني " " تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم " " فمن استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها "، " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " " ومن شذ شذ في النار " لا حول ولا قوة إلا بالله.
ولا يرد أن الأحاديث مفسرة للقرآن الكريم، لأنها محتاجة إلى الرواة، وهم ثقات وضعفاء، أو كذابون، أو وضاعون أو سيئ الحفظ، أو ليسوا أقوياء، وليسوا مجيدين. والحال هنا كان كمن فر من المطر ووقف تحت الميزاب.
فتفسير الأئمة، والأحاديث الصحيحة المروية عنهم مقبولة واجبة العمل بمعيار لن يفترقا فاحتيج في كل زمان بعد النبي (ص) إلى خليفته فوجب معرفته، ولمعرفته علامات قد ذكرناها من قبل