عنه ما يسخط الله. وقد مر معنى الخلافة في اللعنة.
وفي (اصطلاحنا) هي نيابة النبوة وهي أيضا على نوعين: خلافة راشدة، وهي خلافة إلهية، والثانية خلافة ضالة لأن صاحبها إما تابع لمستخلفه فهي الأولى، وإما لا، فهي الثانية فخليفة النبي هو من كان موصوفا بأوصاف النبي إلا النبوة، ومن قال سوى ذلك فقد ذهب عن الحق بمراحل، وضل وأضل، " ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون "، " والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ".
ولما كانت الخلافة والإمامة مما يستلزم طول البيان، لزم علينا ذكرها بقدر الحاجة لأن ما لا يدرك كله لا يترك كله فلنذكرها بعونه تعالى.
إعلم أنه وقع النزاع قديما وحديثنا فيما بين أهل السنة والجماعة، والشيعة الإمامية في مسألة (الخلافة)، وأفتى كل واحد منهم بزعمهم بتفسيق الآخر وتكفيره وادعى بإثبات دعواه من القرآن والحديث، وسبب المغالطة لأهل السنة اشتراط شروط فاسدة للإمامة والخلافة القائمة مقام النبوة، فوجب أن نبين أولا ضرورة النبوة والإمامة حتى تبين غاية الإمامة.
فأقول: أن من البديهيات والمسلمات أنه لا بد للإنسان من قانون كلي ليتميز به عن البهائم والسباع، لأنه إذا كان مطلق العنان، جاهلا بقوانين التمدن، يعسر، بل لا يمكن معيشته في الدنيا فضلا عن الآخرة فإذا يحتاج في حوائجه إلى معلم ما، لعدم انتظامه تمام ضرورياته بنفسه من الأكل والشرب، والقول والفعل، والقيام والقعود، وغيرها، فلا بد له أن يكون تابعا لمتبوع، ولو ادعى بظنه اسنغناءه فظنه فاسد، ودعواه كاسدة كما لا يخفى.
والعقل وإن أدرك حسن الأشياء وقبحها ومنافعها ومضارها لكنه قد لا يدركها لعلة خفية مانعة له لكونه مركبا من القوى النفسانية من الشهوانية والغضبية وغيرها.
ولما كان الإنسان أشرف المخلوقات وأكرمها يرتقى المنازل العليا، ويحصل المدارج القصوى مع موجود العلائق المانعة وكون العوائق الكامنة فكان أحرى أن يمدح مدحا جميلا بخلاف سائر الحيوانات وإذا ثبت عجزه عن الكمالات بأسرها لحاجز عقله ثبت بل لزم احتياجه إلى معلم كامل يجتمع فيه علم مصالح كل فرد وكل مكان وكل زمان حالا ومآلا ما لم يحيطه كل واحد لا بتجربة ولا بقوة ذهنه، ولا يبلغه عمر كل إنسان ولا يقال بإمكان التقنن بالاجتماع لأنا نقول إن العجزة عجزة والجهلة جهلة، ولو اجتمعوا، كما قال عز اسمه " قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون به ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا "، ويشهد عليه ترميم قوانين سلاطين كل زمان، ولا مبدل لكلمة الله لأنه تعالى قديم حي قادر علام الغيوب عادل سميع، بصير، عليم، حكيم، حليم. ولما ثبت أن كل إنسان ليس بمحيط علم جميع مصالحه في كل الأزمنة بل هو عاجز عن إدراك الكليات، والجزئيات بأسرها فلا بد له من أن يتمسك بقانون يصدر من حكيم قديم حي قيوم دائم قائم قادر عادل سميع بصير غني حميد علام الغيوب بسيط محيط جامع لجميع الصفات الكاملة.
ومن البين أن لا يتعلم من الله تعالى قوانينه كل فرد لكونه محتجبا بالظلمات المادية، ومغلوبا بتسلط القوى المتضادة، والعلائق الدنيوية مع عجزه في نفسه، وجهله في ذاته لزم أن تكون بينه