عن أناس صالحين ثم إنها بكثرتها تدل على أن التوسل كان أمرا رائجا منذ عصر الصحابة إلى زماننا هذا، ولم يكن أمرا غريبا عند المسلمين.
ولو فرضنا أن بعض هذه القضايا تخالف الواقع، فلا ريب أنه من باب استغلال الوضاعين لأصل مسلم صحيح بين المسلمين، وهو صحة التوسل بدعاء النبي الأكرم بعد رحيله، فإنهم نسجوا بعض القضايا في ظل ذلك الأصل.
ولو فرضنا أنه لم يكن أمرا رائجا بين المسلمين بل كان أمرا غريبا أو محظورا لما تجرأ المستغل أن ينسج قضية كاذبة على نول الشرك أو المحرم، فإن الذي يحفز الوضاع على نسج الخرافة هو استعداد العامة لقبول تلك الخرافة ولولاه لما تجرأ عليه لعدم حصول الغاية المتوخاة من نسجها.
فهذه القضايا الكثيرة تدل - على كلا التقديرين - على المطلوب، فإن كانت صادقة فبصدقها، وإن كانت كاذبة فلأجل حكايتها عن وجود أصل مسلم بين المسلمين وهو التوسل بدعاء النبي الأكرم قبل وبعد موته، وكان هذا الأصل ربما يستغل أحيانا من بعض المتاجرين بالدين.
على أن بعضها مما رواه الإمام البخاري وسائر أصحاب الصحاح فلنذكر نماذج:
1 - هذا أبو بكر: أقبل على فرسه من مسكنه بالسنخ حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة - رضي الله عنها - فتيمم النبي (صلى الله عليه وآله) وهو مسجى ببرد حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى، فقال: بأبي أنت يا نبي الله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها (1).
فلو لم تكن هناك صلة بين الحياتين فما معنى قوله: " بأبي أنت يا نبي الله " لو لم يكن سماع فماذا قصد ذلك الصحابي من قوله: " لا يجمع الله عليك موتتين ".