وأما الكتاب فقوله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك} الآية دالة على الحث بالمجئ إلى الرسول (صلى الله عليه وآله)، والاستغفار عنده، واستغفاره لهم وهذه رتبة لا تنقطع بموته (صلى الله عليه وآله)، وقد حصل استغفاره لجميع المؤمنين، لقوله تعالى: {استغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} فإذا وجد مجيئهم، فاستغفارهم، كملت الأمور الثلاثة الموجبة لتوبة الله ولرحمته. وقوله: {واستغفر لهم} معطوف عليه قوله:
{جاءوك} فلا يقتضي أن يكون استغفار الرسول بعد استغفارهم مع أنا لا نسلم أنه لا يستغفر بعد الموت، لما سبق الدليل على حياته وعلى استغفاره لأمته بعد الموت عند عرض أعمالهم عليه، ويعلم من كمال رحمته أنه لا يترك ذلك لمن جاءه مستغفرا ربه.
والعلماء فهموا من الآية العموم لحالتي الموت والحياة، واستحبوا لمن أتى القبر أن يتلوها ويستغفر الله تعالى، وحكاية الأعرابي في ذلك نقلها جماعة من الأئمة عن العتبى، واسمه محمد بن عبد الله بن عمرو، أدرك ابن عيينة وروى عنه، وهي مشهورة حكاها المصنفون في المناسك من جميع المذاهب، واستحسنوها، ورأوها من أدب الزائر، وذكرها ابن عساكر في تاريخه، وابن الجوزي في مثير الغرام الساكن، وغيرهما بأسانيدهم إلى محمد بن حرب الهلالي، قال: دخلت المدينة، فأتيت قبر النبي (صلى الله عليه وآله)، فزرته وجلست بحذائه، فجاء أعرابي فزاره، ثم قال: يا خير الرسل إن الله أنزل عليك كتابا صادقا قال فيه: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم - إلى قوله - رحيما} وإني جئتك مستغفرا ربك من ذنوبي، متشفعا بك، وفي رواية: وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي، ثم بكى وأنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه * فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه * فيه العفاف وفيه الجود والكرم ثم استغفر وانصرف، قال: فرقدت فرأيت النبي (صلى الله عليه وآله) في نومي وهو يقول: إلحق