مرة أخرى من جديد؟
فرد القرآن الكريم هذا الاستبعاد والاعتراض بجملتين هما:
1 - {بل هم بلقاء ربهم كافرون} (1).
2 - {قل يتوفاكم ملك الموت} (2).
فلا شك أن الجملة الأولى ليست هي الجواب على اعتراضهم حول إمكانية إعادة المعدوم من أجزاء الجسد، بل هي توبيخ لهم على إنكارهم لقاء الله وكفرهم بذلك، وإنما ترى الجواب الواقعي على ذلك في الجملة الثانية، وحاصله هو: أن ما يضل من الآدمي بسبب الموت إنما هو الجسد وهذا ليس حقيقة شخصيته، فجوهر شخصيته باق، وإن الذي يأخذه ملك الموت وينتزعه من الجسد ليس إلا الجانب الأصيل الذي به تناط شخصيته وهو محفوظ عندنا.
إذن فالضال في التراب من الإنسان - بسبب الموت - هو القشر والبدن، وأما حقيقته وهي الروح الإنسانية التي بها قوام شخصيته، فلا يطالها الفناء ولا ينالها الدثور.
التوفي في الآية ليس بمعنى الإماتة، بل بمعنى الأخذ والقبض والاستيفاء، نظير قوله سبحانه: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} (3) وقوله تعالى: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} (4) ومن قولهم " وافاه الأجل " وبعبارة أخرى: لو ضل بالموت كل شئ من وجودكم لكان لاستبعادكم إمكان إعادة الإنسان وجه مقبول.