يلاحظ عليه أولا: أن قاعدة التحسين والتقبيح طرحت منذ البداية ولم يكن آنذاك أي أثر لاصطلاح الذاتي في باب البرهان، فلا يصح لنا تفسير قولهم بالذاتي بالمصطلح الذي لم يكن رائجا يومذاك، بل كانت القاعدة تدور حول استقلالية العقل في درك حسن الأفعال أو قبحها، أو حاجته إلى أمر خارج كالشرع.
فالأشاعرة وأهل الحديث على الثاني، والعدلية على الأول، وعلى ذلك فتفسير الذاتي في مصطلحهم ب " الذاتي في باب البرهان " بعيد عن مرامهم ومقاصدهم.
اللهم إلا أن يكون الغرض إظهار رأيه وهو أن وزان الحسن والقبح إلى العدل والظلم، كوزان لازم الماهية بالنسبة إليها من دون أن ينسبه إلى القائلين بالذاتي في القرون الغابرة.
وثانيا: وجود الفرق الواضح بين لازم الماهية والحسن والقبح بالنسبة إلى موضوعهما، أعني: العدل والظلم.
وحاصل الفرق: أن لازم الماهية كالزوجية بالنسبة إلى الأربعة، أمر واقعي وله أثر خاص وهو الانقسام إلى متساويين، ولا نبغي من الواقعية أن اللازم أمر عيني ملموس، بل المراد منها أن له سهما من الوجود كسائر اللوازم، والعقل كاشف عنه، وهذا بخلاف الحسن والقبح إذ ليس وراء موضوعهما واقعية وإنما يستقل العقل بأحدهما عند مقايستهما إلى البعد الملكوتي منه، (الفطرة والوجدان أو سم ما شئت) فيجد أحدهما ملائما له والآخر بخلافه فيحكم بالحسن عند الملائمة وبالقبح عند المخالفة، فللعقل دور الحكم لا الكاشفية.
وبتعبير آخر: إن الماهية ولازمها مفهومان ذهنيان، أو وجودان خارجيان بينهما تلازم ذهني (كتصور الأربعة الملازم لتصور الزوجية) أو خارجي (كما إذا تحققت الأربعة فيتحقق معها الزوجية) والعقل يستكشف تلك الملازمة بعد