له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة (حسن وبهجة) وإن أسفله لمغدق (من أغدق:
اتسع وكثر فيه الخير) وإن أعلاه لمثمر، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وما يقول هذا بشر. ولعله لذاك أيضا لما سمع كلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الوليد بن المغيرة، وقرأ عليه القرآن رق فجاءه أبو جهل منكرا عليه، قال: والله ما منكم أحد أعلم بالأشعار مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا (1).
وبالجملة كل هذا ونظائره مما يشهد على أن نفس القرآن، كلام يعجز عن اتيانه البشر والجن. هذا مضافا إلى ما في " البيان " من أنه لو كان إعجاز القرآن بالصرفة، لوجد في كلام العرب السابقين مثله، قبل أن يتحدى النبي البشر ويطالبهم بالاتيان بمثل القرآن، ولو وجد ذلك لنقل وتواتر، لتكثر الدواعي إلى نقله، وإذ لم يوجد ولم ينقل كشف ذلك عن كون القرآن بنفسه اعجازا إلهيا وخارجا عن طاقة البشر (2). هذا بحسب الشواهد التاريخية الدالة على أن إعجاز القرآن من جهة محتواه لا من جهة المنع والصرف الخارجي.
وزاد عليه العلامة الطباطبائي - قدس سره - بما في تفسيره من أن هذا قول فاسد، لا ينطبق على ما تدل عليه آيات التحدي بظاهرها، كقوله تعالى: " قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما انزل بعلم الله " (3) فإن الجملة الأخيرة ظاهرة في أن الاستدلال بالتحدي إنما هو على كون القرآن نازلا، لا كلاما تقوله رسول الله - صلى الله عليه وآله - وأن نزوله إنما هو بعلم الله، لا بإنزال الشياطين كما قال تعالى: " أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين " (4) وقوله: " وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون *