سعادة الإسلام الذي يجب ما قبله، وانظر إلى سورة النصر وإنبائها بغيب النصر والفتح، كما ظهر مصداقه بعد ذلك - إلى أن قال -: وأين أنت عن جامعيته واستقامته في جميع ذلك من دون أن تعترضه زلة اختلاف أو عثرة خطأ أو كبوة تناقض، فإن في ذلك أعظم اعجاز يعرفه الفيلسوف والاجتماعي والسياسي المدني. " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " (1).
فهل يكون كل ذلك من إنسان لم يقرأ ولم يكتب ولم يترب في البلاد الراقية، وإنما كان بدويا من البلاد المنحطة في كل أدب، المدرسة الابتدائية في موطنه إنما هي بساطة أعراب البادية وخلوهم عن المعارف، والمدرسة الكلية تنظم تعاليمها من الوثنية الأهوائية وخشونة الوحشية والجبروت الاستبدادي والعدوان وعوائد الضلال والجور، والشرائع القاسية، ولئن سمعت الاحتجاج بإعجاز القرآن في فصاحته وبلاغته، فإنما هو لأجل عموم هذا الإعجاز وأنه هو الذي يذعن في فصاحته وبلاغته، فإنما هو لأجل عموم هذا الإعجاز وأنه هو الذي يذعن به العرب الذين ابتدأهم الدعوة، وتناله معرفتهم حسب ما عندهم من الأدب، الراقين فيه، فتقوم الحجة عليهم وعلى غيرهم وتبقى سائر وجوه الإعجاز للفيلسوف والاجتماعي والسياسي المدني يأخذ منها كل منهم بمقدار حظه من الرقي " (2). وعليه فكان الأولى هو أن يشير المصنف إلى هذه النكتة، فإنه لا ريب ولا إشكال في كون اتيان القرآن ممن لم يتعلم ولم يكتب ولم يقرأ في مدرسة من المدارس، إعجازا ظاهرا بينا، كما أشار إليه في قوله عز وجل: " فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون " (3) وقوله تعالى: " وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون " (4).