المذكور جواب يصلح لاقناع العامة، ولكن الإشكال فيه أن التعدد في ذاته تعالى غير متصور، فليس فيه قوة باسم العقل، وقوة أخرى منقادة لحكم العقل، فالجواب يؤول في الواقع إلى تشبيهه تعالى بخلقه في نسبة العقل إليه، مضافا إلى أن شأن العقل هو درك المفاهيم، والمفاهيم من قبيل العلوم الحصولية، فلا تناسب علمه تعالى، فإن علمه من قبيل العلم الحضوري، كما أن شأن العقل ليس هو الأمر والنهي، فلا يتصور حاكمية عقله تعالى وآمريته.
وفي الجواب والرد كليهما نظر، أما الرد فبأن التعدد الاعتباري يكفي في تصوير الحاكم والمحكوم، كما أنه يكفي في تصوير العالم والمعلوم، مع اتحادهما في ذاته تعالى، ومما ذكر يظهر أنه لا تشبيه ولا تنظير في صفاته بمخلوقاته بعد كون صفاته عين ذاته، والتعدد بالاعتبار، هذا مضافا إلى أن حمل " عاقل " كحمل " عالم " عليه تعالى في الحاجة إلى تجريده عما يشوبه من خصوصيات الممكنات، من الحاجة إلى المبادئ والمقدمات، ومن كونه كيفا أو فعلا حادثا للنفس وغيرهما من الأمور التي تكون من خصوصية مصاديقهما فهو تعالى عالم بالعلم الحضوري وعاقل ومدرك بالعلم الحضوري.
وأما الجواب فبأن مرادهم من العقل هو مطلق العقل لا خصوص عقله تعالى، فاختصاص العقل به أجنبي عن مرادهم، هذا مضافا إلى ما أشير إليه في الرد المذكور من أن شأن العقل هو الدرك، لا الأمر والنهي.
وكيف كان فذاته الكامل لا يقتضي إلا النظام الأحسن، ومن المعلوم أن القبيح لا يناسب ذاته الكامل، والمناسبة والسنخية من أحكام العلية، فيمتنع صدور القبيح أو ترك الحسن منه تعالى، من جهة اقتضاء ذاته وصفاته، لا من جهة تأثير العوامل الخارجية فيه تعالى، من حكم عقلي، أو عقلائي بوجوب صدور الحسن، وترك القبيح، مع أنه لا ينفعل من شئ.
وعليه فمقتضى كمال ذاته هو لزوم إفاضة اللطف منه للعباد، ومنه