تعالى في عين كونها حقيقية، نعم يختص بالله تعالى السببية الاستقلالية، وهو المراد من قولهم: لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى.
وبالجملة فكما أن وجود المخلوقين لا يتنافى مع التوحيد الذاتي، لأن وجودهم منه تعالى وفي طول وجوده، كذلك تأثيرهم في الأشياء لا ينافي حصر المؤثر الاستقلالي فيه تعالى، كما يقتضيه التوحيد الأفعالي، لأن تأثيرهم بإذنه تعالى وينتهي إليه، ولذلك قال العلامة الطباطبائي - قدس سره -: انتساب الفعل إلى الواجب تعالى بالايجاد لا ينافي انتسابه إلى غيره من الوسائط، والانتساب طولي لا عرضي (1).
فالعباد هم المباشرون للأفعال وكانت الأفعال أفعالا اختيارية لهم، لقدرتهم على تركها وتمكنهم من خلافها، والأفعال مستندة إليهم بالحقيقة، ومع ذلك لا يكونون مستقلين في الوجود والفاعلية، بل متقومون به تعالى، وليس هذا إلا لكونهم في طول وجود الرب المتعال، ومنه ينقدح فساد ما استدلوا به على مختارهم، من أن التأثير مستند إلى قدرة الله تعالى دون العباد، وإلا لزم اجتماع قادرين على مقدور واحد، والتالي باطل، فالمقدم مثله بيان الشرطية أنه تعالى قادر على كل مقدور، فلو كان العبد قادرا على شئ، لاجتمعت قدرته وقدرة الله تعالى عليه، وأما بطلان التالي، فلأنه لو أراد الله ايجاده وأراد العبد اعدامه، فإن وقع المرادان أو عدما لزم اجتماع النقيضين، وإن وقع مراد أحدهما دون الآخر لزم الترجيح من غير مرجح (2).
وذلك لما عرفت من أن قدرة العبد في طول قدرة الرب وبإذنه وارادته، ومن المعلوم أن ما يكون كالظل للشئ وطورا له، لا يمكن أن يعارض ذا