وبالجملة فهذه النواقص الحاصلة من ناحية تزاحم الأسباب من لوازم عالم المادة، وحيث كانت خيرية عالم المادة غالبة، فالراجح هو ايجاده بما هو عليه، كما لا يخفى، وقد تكون من جهة ظلم الظالمين المتجاوزين المختارين في أعمالهم، أو من جهة جهل الآباء والأمهات بآداب النكاح وسننه، وشرائط التوالد والتناسل، وكيفية التغذية وحفظ الصحة، أو من جهة سوء أفعالهم، أو غير ذلك من المؤثرات الاختيارية.
ومن المعلوم أن الله تعالى برئ عن ظلم الظالمين ونهاهم عنه وأكده، وفرض منعهم على كافة الناس ويعاقبهم في الآخرة، وهكذا أرشد الآباء والأمهات، بتشريع الأحكام والسنن، والآداب الشرعية، وأيضا حذر الناس عن العصيان وارتكاب المعاصي، والأعمال السيئة لتطيب أولادهم وأحفادهم.
فما ينبغي أن يفعله الله لم يتركه، بل أتى به حق الاتيان، وإنما التقصير والقصور من ناحية الناس وعالم المادة كما لا يخفى.
لا يقال: إن المعلولين لا يتمكنون من الاستكمال، لأنهم لعلتهم عاجزون عن اتيان الأعمال الصالحة، بمثل ما أتي به غيرهم فلا وجه لخلقهم.
لأنا نقول: إن التكليف ليس إلا بمقدار طاقتهم، فإذا أتوا بالأعمال بهذا المقدار، تمكنوا من الاستكمال بما أتوا به والله تعالى رؤوف بالعباد. هذا مضافا إلى أن لهم أن يقصدوا جميع الخيرات التي اتي بها غيرهم ممن ليس فيهم نقصهم فلهم ثواب تلك الأعمال إن كانوا صادقين في قصدهم، لأن الأعمال بالنيات على أن الصبر على العلة والنقص يوجب ازدياد الكمال والثواب والحسنات فقد روي في الكافي عن أبي عبد الله - عليه السلام - أنه قال: " من ابتلى من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد " (1).