" ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون " (1) قوله: " حتى عفوا " أي كثروا عدة أو عدة وأصله الترك، أي تركوا حتى كثروا، ومنه إعفاء اللحى.
وكيف كان فالمكافأة والعذاب والتنبيه من علل وجود المصيبات، كما هو صريح الآيات المذكورة وغيرها، بل الروايات منها: صحيحة فضيل بن يسار عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: " ما من نكبة تصيب العبد إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر " (2).
وصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: أما أنه ليس من عرق يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلا بذنب، وذلك قول الله عز وجل في كتابه: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير " قال: ثم قال: " وما يعفو الله أكثر مما يؤاخذ به " (3).
ومن المعلوم أن هذه المكافأة توجب كثيرا ما التنبه والاتعاظ والرجوع.
ولعل إلى ذلك أشار الإمام الصادق - عليه السلام - حيث قال في توحيد المفضل: " ويلذع (أي يوجع ويؤلم) أحيانا بهذه الآفات اليسيرة لتأديب الناس وتقويمهم، ثم لا تدوم هذه الآفات، بل تكشف عنهم عند القنوط منهم فيكون وقوعها بهم موعظة وكشفها عنهم رحمة - إلى أن قال - ولو كان هكذا (أي عيش الإنسان في هذه الدنيا صافيا من كل كدر) كان الإنسان سيخرج من الأشر والعتو إلى ما لا يصلح في دين ودنيا - إلى أن قال - فإذا عضته المكاره ووجد مضضها اتعظ وأبصر كثيرا مما كان جهله وغفل عنه ورجع إلى كثير مما كان يجب عليه (4)، وقال - عليه السلام - أيضا: إن هذه الآفات وإن كانت تنال الصالح