شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣١ - الصفحة ٣٣٩
ومنهم الفاضل المعاصر أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في " موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف " (ج 11 ص 198 ط عالم التراث للطباعة والنشر - بيروت) قال:
يا علي ستقاتلك الفئة الباغية (1).
1) الفئة - بكسر الفاء وفتح الهمزة ثم الهاء: طائفة من الناس أو فرقة منهم أو جماعة منهم والجمع فئات وفئون والهاء عوض من الياء - أو عوض من الواو لأن الأصل: فأوت أي فرقت وشققت، يقال: فأوت رأسه فأوا إذا فلقته بالسيف، ويقال أيضا: فأيته فأيا بالياء - وقيل: هو ضربك قحفه حتى ينفرج عن الدماغ.
والأنفياء: الانفراج ومنه اشتق اسم الفئة وهم طائفة من الناس والفأو: الشق.
والبغي أصله الحسد ثم سمي الظلم بغيا لأن الحاسد يظلم المحسود جهده اراغة زوال نعمة الله عليه عنه.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلملعمار بن ياسر: " تقتلك الفئة الباغية " - وهم معاوية وأصحابه فإنهم قتلوه.
وكان عمار يوم صفين ينادي بأعلى صوته: الرواح إلى الجنة، تزينوا لحور العين.
وكبر عندما شرب ضياح اللبن، وروى لهم حديثا سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال له: " آخر زادك ضياح من لبن ثم تلقاني ".
وقال عمار: " لو ضربونا حتى بلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنهم على الباطل وأنا على الحق ".
وذكروا أنه لما توجه إلى صفين قال: " اللهم لو أعلم أنه أرضى لك أن أرمي بنفسي من فوق هذا الجبل لرميت بها، ولو أعلم أنه أرضى لك أني أوقد لنفسي نارا عظيمة فأقع فيها لفعلت، وإني لا أقاتل أهل الشام إلا وأنا أرجو أن لا يخيبني وأنا أريد وجهك ".
قالوا: وكان عمار يحب عليا كما قام خطيب من أهل العراق يدعوا أهل الشام قام عمار في أثره فقال: أنا والله ما نجد إلا قتال أهل الشام أو ندخل النار.
قال العلامة الأديب المؤرخ أبو عمر ابن عبد ربه الأندلسي في " العقد الفريد " ج 4 ص 340 ط القاهرة:
العتبى قال: لما التقى الناس بصفين نظر معاوية إلى هاشم بن عتبة الذي يقال له:
المرقال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم، أرقل ليمون. وكان أعور، والراية بيده وهو يقول:
أعور يبغي نفسه محلا * قد عالج الحياة حتى ملا لا بد أن يفل أو يفلا فقال معاوية لعمرو بن العاص: يا عمر، هذا المرقال، والله لئن زحف بالراية زحفا إنه ليوم أهل الشام الأطول، ولكني أرى ابن السوداء إلى جنبه، يعني عمارا، وفيه عجلة في الحرب، وأرجو أن تقدمه إلى الهلكة.
وجعل عمار يقول: أبا عبتة، تقدم. فيقول: يا أبا اليقضان، أنا، أعلم بالحرب منك، دعني أزحف بالراية زحفا، فلما أضجره وتقدم، أرسل معاوية خيلا فاختطفوا عمارا، فكان يسمى أهل الشامقتل عمار فتح الفتوح.
أبو بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب، عن أسود بن مسعود، عن حنظلة بن خويلد، قال: إني لجالس عند معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار، كل واحد منهما يقول: أنا قتلته. فقال لهما عبد الله بن عمرو بن العاص: ليطب به أحد كما نفسا لصاحبه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: تقتلك الفئة الباغية.
أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن عليه، عن ابن عون، عن الحسن، عن أم سلمة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتل عمارا الفئة الباغية.
أبو بكر قال: حدثنا علي بن حفص، عن أبي معشر، عن محمد بن عمارة، قال:
ما زال جدي خزيمة بن ثابت كافا سلاحه يوم صفين حتى قتل عمار، فلما قتل سل سيفه وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتل عمارا الفئة الباغية. فما زال يقاتل حتى قتل.
أبو بكر، عن غندر، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال:
رأيت عمارا يوم صفين شيخا آدم طوالا آخذا الحربة بيده، ويده ترعد، وهو يقول:
والذي نفسي بيده، لقد قاتلت بهذه الحربة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة، والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفت أنا على حق وأنهم على باطل.
ثم جعل يقول: صبرا عباد الله، الجنة تحت ظلال السيوف.
أبو بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان، عن حبيب، عن أبي البختري، قال:
لما كان يوم صفين واشتدت الحرب دعا عمار بشرية لبن وشربها وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: إن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن.
أبو ذر، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جدته أم سلمةزوج النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده بالمدينة أمر باللبن يضرب وما يحتاج إليه، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع ردائه، فلما رأى ذلك المهاجرون والأنصار وضعوا أرديتهم وأكسيتهم يرتجزون ويقولون ويعملون:
لئن قعدنا والنبي يعمل * ذاك إذا لعمل مطلل قالت: وكان عثمان بن عفان رجلا نظيفا منظفا، فكان يحمل اللبنة ويجافي بها عن ثوبه، فإذا وضعها نفض كفيه ونظر إلى ثوبه، فإذا أصابه شئ من التراب نفضه.
فنظر إليه علي رضي الله عنه فأنشده:
لا يستوي من يعمر المساجد * يدأب فيها راكعا وساجدا وقائما طورا وطورا قاعدا * ومن يرى عن التراب حائدا فسمعها عمار بن ياسر فجعل يرتجزها وهو لا يدري من يعني. فسمعه عثمان، فقال: يا بن سمية، ما أعرفني بمن تعرض، ومعه جريدة، فقال: لتكفن أو لأعترضن بها وجهك. فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل حائط، فقال: عمار جلدة ما بين عيني وأنفي، فمن بلغ ذلك منه فقد بلغ مني، وأشار بيده فوضعها بين عينيه. فكف الناس عن ذلك، وقالوا لعمار: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غضب فيك ونخاف أن ينزل فينا قرآن. فقال: أنا أرضيه كما غضب. فأقبل عليه فقال:
يا رسول الله، ما لي ولأصحابك؟ قال: وما لك ولهم؟ قال: يريدون قتلي، يحملون لبنة ويحملون علي لبنتين. فأخذ به طاف به في المسجد، وجعل يمسح وجهه، من التراب ويقول: يا بن سمية، لا يقتلك أصحابي، ولكن تقتلك الفئة الباغية.
فلما قتل بصفين وروى هذا الحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال معاوية: هم قتلوه لأنهم أخرجوه إلى القتل. فلما بلغ ذلك عليا قال: ونحن قتلناه أيضا حمزة لأنا أخرجناه