فتبين بما بيناه أنه لا مجال لتفسير " نور السماوات والأرض " في الآية الكريمة إلا بما أطبقت عليه الروايات من هادي السماوات والأرض.
بيانه: إن النور كسائر الحقائق من الممكنات، فلا يحمل على الواجب تعالى شأنه حقيقة تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، فحمله عليه تعالى شأنه إنما هو باعتبار ثبوت أثره له تعالى، وعدم تطرق الضد فيه عز وجل، كما أن إثبات صفات الكمال له تعالى إنما هو بهذا المعنى، والأثر الظاهر للنور إنما هو ظهور الأشياء به، فحينئذ إما أن يراد ظهور الأشياء به حسا أو معنى، وقد تبين لك أن إرادة الأول لا يلائم مع ما بعده بوجه، فتعين الثاني، وهو رفع ظلمات الجهل بنور العلم والهداية.
وإذا ثبت ذلك: تبين أن إضافته إلى السماوات والأرض لا تكون إلا باعتبار أهلها، لأن العلم والهداية لا يتعلق بنفس السماء والأرض، فالتعبير بالسماوات حينئذ إنما هو باعتبار عدم اختصاص الهداية، بفرد دون فرد، فإن التعبير بالجمع المحلى وغيره حينئذ شائع في العرف، كقوله تعالى:
" وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها "، (1) ولا يكون هذا من باب التجوز في الكلمة بعلاقة الحال، كما توهموه، وإنما هو من باب التجوز في الإسناد، كما حققناه في محله.
وبما بيناه تبين أيضا أن تفسير " نور السماوات والأرض " بمزين السماء بالملائكة، ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء - كما نسب إلى أبي كعب - (2) في غير محله، إلا أن يرجع إلى ما بيناه، لأن التزيين وإن كان من آثار النور إلا أنه ليس من الحيثيات الظاهرة له،