فصار الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه، فقال (عليه السلام): " إن لم يكن شيء يستبين في الماء فلا بأس، وإن كان شيئا بينا فلا (1) "، التي حملها المشهور في مقابل الخلاف على ما إذا تحقق إصابة الدم للإناء، ولم يتحقق إصابته للماء فإن في عدم جعله (عليه السلام) إياه من الشبهة المحصورة اللازمة الاجتناب إشارة إلى ما ذكرناه، إذ لو فرض العلم تفصيلا بوقوعه في ظهر الاناء لا يصح أن يكلف باجتنابه إلا مشروطا بالابتلاء، لأن قاصد التوضي من مائه غير مبتل في العرف والعادة بظهره فلا يتنجز التكليف بالاجتناب عنه، فيسلم الأصل في مائه عن المعارض.
ومثله في سلامة الأصل ملاقي أحد طرفي الشبهة، إذ لا أصل في قباله يعارضه، والأصل في مصاحب ملاقيه مبتل بمثله من أصل صاحبه، فلا يعارض به هذا الأصل، ولا مجال لعده من أحد أطراف الشبهة، لأنه في طول الطرفين لا في عرضهما. وهذا معنى ما تقرر في محله من كونه مرجعا يرجع اليه عند سقوط الأصل السابق عليه عن الاعتبار بسبب عدم الجريان أو بسبب الابتلاء بالمعارض.
نعم لو حصل في قباله ملاق للطرف الآخر يسقط أصله عن الاعتبار حينئذ، لمعارضته بالأصل الجاري في ذلك الملاقي الآخر، فمناط الجواز والمنع سلامة الأصل وجريانه في ما يراد استعماله.
ومنه يعلم أنه لو صب أحد الإناءين بعد تنجز التكليف بهما بسبق العلم على الصب لا يجوز استعمال الباقي بتوهم سلامة أصله حينئذ عن المعارض، لأن الباقي لا يرفع عنه عنوان مقدميته الثابتة له قبل الصب لامتثال ذلك التكليف المنجز، فما دام ذلك التكليف لم يعلم رفعه يجب الخروج عن عهدته واجتناب هذا الباقي مقدمة للامتثال، فيجب من تلك الجهة، بل لو صب أحدهما بعد العلم وبقي ملاقي المصبوب مع الآخر كان أصلاهما من المتعارضين كنفس المشتبهين، لأن الملاقي من مراتب وجود الملاقى المصبوب، فكأنه لم يصب بتمامه.