بناء المقالة الفاطمية - السيد ابن طاووس - الصفحة ٧٦
مقامات الإسلام في شئ، إذ للفضائل والتفاخر مقام غير هذا المقام، مع أن الإسكافي أجاب عن هذا الكلام بما هو معروف (1):
(١) قال أبو جعفر الإسكافي (في رده على عثمانية ص ٣١٣):
ما أعجب هذا القول، إذ تدعي العثمانية لأبي بكر الرفق في الدعاء وحسن الاحتجاج وقد أسلم ومعه في منزلة ابنه عبد الرحمن فما قدر أن يدخله الإسلام طوعا برفقه ولطف احتجاجه، ولا كرها بقطع النفقة عنه وإدخال المكروه عليه، ولا كان لأبي بكر عند ابنه عبد الرحمن من القدر ما يطيعه فيما يأمره به ويدعوه إليه، كما روي أن أبا طالب فقد النبي صلى الله عليه وآله يوما وكان يخاف عليه من قريش أن يغتالوه فخرج ومعه ابنه جعفر يطلبان النبي صلى الله عليه (وآله)، فوجده قائما في بعض شعاب مكة يصلي وعلي عليه السلام معه عن يمينه، فلما رآهما أبو طالب قال لجعفر: تقدم وصل جناح ابن عمك! فقام جعفر عن يسار محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم فلما صاروا ثلاثة تقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وتأخر الأخوان، فبكى أبو طالب وقال:
إن عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الخطوب والنوب لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب فتذكر الرواة أن جعفرا أسلم منذ اليوم لأن أباه أمره بذلك وأطاع أمره، وأبو بكر لم يقدر على إدخال ابنه عبد الرحمن في الإسلام، حتى أقام بمكة، على كفره ثلاث عشرة سنة، وخرج يوم أحد في عسكر المشركين ينادي: أنا عبد الرحمن بن عتيق هل من مبارز!! ثم مكث بعد ذلك على كفره حتى أسلم عام الفتح، وهو اليوم الذي دخلت فيه قريش في الإسلام طوعا وكرها، ولم يجد أحد منها إلى ترك ذلك سبيلا.
وأين كان رفق أبي بكر وحسن احتجاجه عند أبيه أبي قحافة وهما في دار واحدة؟ هلا رفق به ودعاه إلى الإسلام فأسلم، وقد علمتم أنه بقي على الكفر إلى يوم الفتح فأحضره ابنه عند النبي صلى الله عليه وآله وهو شيخ كبير رأسه كالثغامة فنفر رسول الله صلى الله عليه وآله منه وقال:
غيروا هذا فخضبوه ثم جاءوا به مرة أخرى فأسلم، وكان أبو قحافة فقيرا مدقعا سيئ ا لحال وأبو بكر عندهم كان مثريا فائض المال، فلم يمكنه استمالته إلى الإسلام بالنفقة والإحسان.
وقد كان امرأة أبي بكر أم عبد الله ابنه - واسمها نملة بنت عبد العزى بن أسعد بن عبد ود العامرية - لم تسلم وأقامت على شركها بمكة، وهاجر أبو بكر وهي كافرة، فما نزل قوله تعالى * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) * فطلقها أبو بكر. فمن عجز عن ابنه وأبيه وامرأته فهو عن غيرهم من الغرباء أعجز ومن لم يقبل منه أبوه وابنه وامرأته لا برفق واحتجاج ولا خوفا من قطع النفقة عنهم وإدخال المكروه عليهم فغيرهم أقل قبولا منه وأكثر خلافا عليه.