عمر، رضي الله تعالى عنه في الاستسقاء: اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك وقفية آبائه وكبر رجاله؛ يعني العباس، أي خلف آبائه وتلوهم وتابعهم كأنه ذهب إلى استسقاء أبيه عبد المطلب لأهل الحرمين حين أجدبوا فسقاهم الله به.
والقافية من الشعر: الذي يقفو البيت، سميت لأنها تقفوه.
وفي الصحاح: لأن بعضها يتبع أثر بعض.
وقال الأخفش: القافية: آخر كلمة في البيت، وإنما قيل لها قافية لأنها تقفو الكلام؛ قال: وفي قولهم قافية دليل على أنها ليست بحرف، لأن القافية مؤنثة والحرف مذكر، وإن كانوا قد يؤنثون المذكر؛ قال: وهذا قد سمع من العرب، وليست تؤخذ الأسماء بالقياس، والعرب لا تعرف الحروف.
قال ابن سيده: أخبرني من أثق به أنهم قالوا لعربي فصيح: أنشدنا قصيدة على الذال، فقال: وما الذال؟ وسئل أحدهم عن قافية:
* لا يشتين عملا ما أنقين * فقال: أنقين؛ وقالوا لأبي حية: أنشدنا قصيدة على القاف فقال:
* كفى بالنأي من أسماء كاف * فلم يعرف القاف.
قال صاحب اللسان: أبو حية على جهله بالقاف في هذا كما ذكر أفصح منه على معرفتها، وذلك لأنه راعى لفظه قاف فحملها على الظاهر وأتاه بما هو على وزن قاف من كاف ومثلها، وهذا نهاية العلم بالألفاظ وإن دق عليه ما قصد منه من قافية القاف، ولو أنشده شعرا على غير هذا الروي مثل قوله:
* آذنتنا ببينها أسماء * أو مثل قوله:
* لخولة أطلال ببرقة ثهمد (1) * كان يعد جاهلا، وإنما هو أنشده على وزن القاف، وهذه معذرة لطيفة عن أبي حية، والله أعلم، انتهى.
أو اتفاقية من آخر (1) حرف ساكن فيه، أي في البيت، إلى أول ساكن يليه مع الحركة التي قبل الساكن؛ هذا قول الخليل. ويقال مع المتحرك الذي قبل الساكن كأن القافية على قوله من قول لبيد:
عفت الديار مجلها فمقامها (3) * من فتحة القاف إلى آخر البيت، وعلى الحكاية الثانية من القاف نفسها إلى آخر البيت.
أو هي الحرف الذي تبنى عليه القصيدة، وهو المسمى رويا، هذا قول قطرب.
وقال ابن كيسان: القافية كل شيء لزمت إعادته في آخر البيت، وقد لاذ هذا بنحو من قول الخليل لولا خلل فيه.
قال ابن جني: والذي ثبت عندي صحته من هذه الأقوال هو قول الخليل.
قال ابن سيده: وهذه الأقوال إنما يخص بتحقيقها صناعة القافية، ونحن ليس من غرضنا هنا إلا أن نعرف ما القافية على مذهب هؤلاء كلهم من غير إسهاب ولا إطناب، وقد بيناه في كتابنا الوافي في أحكام علم القوافي. وأما حكاية الأخفش من أنه سأل من أنشد:
* لا يشتكين عملا ما أنقين * فلا دلالة فيه على أن القافية عندهم الكلمة، لأنه نحا نحو ما يريده الخليل فلطف عليه أن يقول: هي من فتحة القاف إلى آخر البيت، فجاء بما هو عليه أسهل وبه آنس وعليه أقدر، فذكر الكلمة المنطوية على القافية في الحقيقة مجازا، وإذا جاز لهم أن يسموا البيت كله قافية لأن في آخره قافية، فتسميتهم الكلمة التي فيها القافية نفسها قافية أجدر بالجواز، وذلك قول حسان: