ثم التفت للدعاء لكتابه فقال: ونفع بهذا الكتاب، أي القاموس، المكتسي، أي اكتسى، من بركتها (1) أي الكعبة خيرا كثيرا، فمن بيانية، والمفعول محذوف، اي كساه الله من بركاتها خيرا كثيرا أو غير ذلك، وحذف المفعول ليذهب الناظر كل مذهب في تقديره، وهو من مصادر البلغاء، أو هي تبعيضية، أي الذي اكتسى بعض بركاتها؛ وقوله: إخواني، مفعول نفع، فصل بينه وبين فعله بالجار والمجرور ووصفه، اي ونفع إخواني بهذا، الخ. والنفع عام بالقراءة والكآبة والمطالعة والمراجعة وغير ذلك من وجوه النفع؛ وحسنه بالقبول؛ أي جعل فيه الحسن وحصر حسنه في القبول، لأنه المطلوب في مثله، والمراد القبول العام من الله تعالى، فإنه إذا قبله ضاعف له الجوائز عليه، ومن الخلق ليكثر نفعهم به وتداولهم إياه فيكثر الدعاء منهم له، وإشادة ذكره وذلك مما يضاعف له الحسنات ويبقي ذكره على ممر الزمان؛ لتستعير من حسنه، أي زيادة في كمال حسنه أي حسنا زائدا يستعير منه من لا يحتاج إلى الحسن والزينة، وأعظم ذلك الغواني، جمع غانية، والمراد بها التي تستغني بحسنها عن الزينة لأنه منها أبلغ وإن مر أنها تطلق بمعنى التي استغنيت يزوجها عن الرجال كمالا في العفة أو ببيت أبيها عن الأزواج زيادة في التصون، فإن المعنى الأول هنا أنسب، ولما كانت المحاسن أنواعا وأحسنها عند ذوي الأذواق المحاسن المعنوية ولا سيما المتصفة باللطف، قال: لطائف المعاني، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الصفة أي المعاني اللطائف؛ ثوابي، أي جزائي على هذا الخير، وجعله نورا، يضئ لي بين يدي، لأنه من الأعمال التي لا تنقطع بالموت، يوم حسابي، اي يوم القيامة، لأنه الذي يحاسب فيه الخلائق.
ثم ختم بما حصل به الابتداء فقال: والحمد الله رب العالمين؛ فهو من أبدع رد العجز على الصدر، ولذلك كان أول القرآن وآخر دعوى أهل الجنان؛ وعلى فضله؛ متعلق بأحمد محذوف لأن المصدر لا يعمل مع الفصل وإن أجازه السعد في بعض المباحث، والفضل: الإحسان، والموفور، الكثير، وقبوله منا عفو خاطرنا، عفو الخاطر ما يصدر عنه بلا كلفة، والمنزور، القليل إشارة إلى أنه تعالى لكمال كرمه وفضله يقبل القليل ويجازي عليه، جل شأنه، بالجزيل الجليل، ثم بعد الحمد أردف بالصلاة والسلام على النبي، صلى الله عليه وسلم، لأنها الذخر الأعظم والوسيلة الكبرى في قبول الأعمال وبلوغ الآمال فقال: والصلاة والسلام الأتمان الأكملان؛ وصفهما بالتمام والكمال مبالغة إن قلنا بترادفهما على ما هو رأي أكثر أهل اللغة، وزيادة في التعظيم والمبالغة على القول باختلافهما؛ على حبيبه وصفيه وخليله ونبيه، والمحبة والصفوة والخلة والنبوة كلها أوصاف له، صلى الله عليه وسلم، وقد شرحت في موضعها، والقول في التفاضل بين الخلة والمحبة أمر مشهور وقد أشرنا لبعضه في مواضع من هذا الكتاب، ثم ذكر اسمه الشريف، فقال: محمد، صلى الله عليه وسلم، وأشار بقوله، الذي لا نرضى لبيان استحقاقه من الوصف جهدنا، إلى أن الإنسان وإن قال ما قال وبلغ من البلاغة أقصى المقال، فإن جهد مقل النسبة إلى فضائله صلى الله عليه وسلم، التي لا يحصيها العدد، وتنتهي المدد ولا ينتهي لفيضها مدد، ولذلك نستعين على ذلك بطلبه من خالق القوى والقدر، نستمد بعض كمالاته من مدد القضاء والقدر لا رب غيره؛ ونبتهل إلى الله الكريم، أي نتوجه ونتضرع إليه في، أن يوصل إليه صلاتنا، وفي يوصل وصلاتنا جناس الاشتقاق ويقرب منه بعدنا، يمكن أن يراد به التقريب الحسي والمعنوي؛ وأن يصلي على آله؛ وهم أقاربه المؤمنون من بني هاشم على الأصح من أقوال سبعة لمالك، ويراد بهم في الدعاء كل مؤمن تقي أو كل الأمة؛ وأزواجه، أمهات المؤمنين من ماتت منهن في عصمته حيا كالسيدة خديجة، رضي الله عنها، وأم المساكين على الأصح، ومن بقين بعده في عصمته كأمهات المؤمنين التسع، رضي الله تعالى عنهن، ويلحق بهن سرارية؛ وأصحابه، رضي الله عنهم، كل من اجتمع به مؤمنا به على الأصح ولا تشترط الرؤية ولا الطول ولا غير ذلك