في كلت رجليها سلامى واحدة * كلتاهما مقرونة بزائده (1) أراد في إحدى رجليها فأفرد، قال: وهذا القول ضعيف عند أهل البصرة، لأنه لو كان مثنى لوجب أن تنقلب ألفه في النصب والجر ياء مع الاسم الظاهر، ولأن معنى كلا مخالف لمعنى كل، لأن كلا للإحاطة وكلا يدل على شيء مخصوص، وأما هذا الراجز فإنما حذف الألف للضرورة وقدر أنها زائدة، وما يكون ضرورة لا يجوز أن يجعل حجة، فثبت أنه اسم مفرد كمعى إلا أنه وضع ليدل على التثنية، كما أن قولهم نحن اسم مفرد وضع ليدل على الاثنين فما فوقهما؛ يدل على ذلك قول جرير:
كلا يومي أمامة يوم صد * وإن لم نأتها إلا لماما أنشدنيه أبو علي فإن قال قائل فلم صار كلا بالياء في الجر والنصب مع المضمر ولزمت الألف مع المظهر كما لزمت في الرفع مع المضمر؟ قيل له: قد كان من حقها أن تكون بالألف على كل حال مثل عصا ومعى، إلا أنها لما كانت لا تنفك عن الإضافة شبهت بعلى وإلى ولدى، فجعلت بالياء مع المضمر في النصب والجر لأن على لا تقع إلا منصوبة أو مجرورة ولا تستعمل مرفوعة، فبقيت كلا في الرفع على أصلها في المضمر، لأنها لم تشبه بعلى في هذه الحال، وأما كلتا التي للتأنيث فإن سيبويه يقول ألفها للتأنيث والتاء بدل من لام الفعل، وهي واو، والأصل كلوا، وإنما أبدلت تاء لأن في التاء علم التأنيث، والألف في كلتا قد تصير ياء مع المضمر فيخرج عن علم التأنيث فصار في إبدال الياء (2) تاء تأكيد للتأنيث. وقال أبو عمر الجرمي: التاء ملحقة، والألف لام الفعل، تقديرها عنده فعتل، ولو كان الأمر كما زعم في النسبة إليه كلتوي، ولما قالوا كلوي وأسقطوا التاء دل أنهم أجروها مجرى التاء التي في أخت التي إذا نسبت إليها قلت أخوي، انتهى نص الجوهري.
قال ابن بري في هذا الموضع: كلوي قياس من النحويين إذا سميت بها رجلا، وليس ذلك مسموعا فيحتج به على الجرمي، انتهى.
وقال ابن سيده في المحكم: كلا كلمة مصوغة للدلالة على اثنين كما أن كلا مصوغة للدلالة على جميع، وليست كلا من لفظ كل، كل صحيحة وكلا معتلة، ويقال للاثنتين (3) كلتا، وبهذه التاء حكم على أن ألف كلا منقلبة عن واو لأن بدل التاء من الواو أكثر من بدلها من الياء؛ وقول سيبويه: جعلوا كلا كمعى، لم يرد أن ألف كلا منقلبة عن ياء كألف معى بدليل قولهم معي (4)، وإنما أراد أن ألفها كألفها في اللفظ، لا أن ما انقلبت عنه ألفاهما واحد، فافهم. ولا دليل لك في إمالتها على أنها من الياء لأنهم قد يميلون بنات الواو.
قال ابن جني: أما كلتا فذهب سيبويه إلى أنها فعلى بمنزلة الذكرى والحفرى، وأصلها كلوى، فأبدلت الواو تاء كما أبدلت في أخت وبنت، والذي يدل على أن لام كلتا معتلة قولهم في مذكرها كلا، وكلا فعل ولامه معتلة بمنزلة لام حجا ورضا، وهما من الواو، ولذا مثلها سيبويه بما اعتلت لامه فقال: هي بمنزلة شروى، وأما أبو عمر الجرمي فذهب إلى أنها فعتل، وخالف سيبويه، ويشهد لفساد هذا القول أن التاء لا تكون علامة تأنيث الواحد إلا وقبلها فتحة كطلحة وحمزة وقائمة وقاعدة، أو أن يكون قبلها ألف كسعلاة وعزهاة، ولام كلتا ساكنة كما ترى، فهذا وجه؛ وآخر علامة التأنيث لا تكون أبدا وسطا إنما تكون آخرا بلا محالة؛ وكلتا اسم مفرد يفيد معنى التثنية بإجماع البصريين، فلا يجوز أن يكون علامة تأنيثه التاء وما قبلها ساكن، وأيضا فإن فعتلا مثال لا يوجد في الكلام، أصلا فيحمل هذا عليه؛ وإن سميت بكلتا رجلا لم تصرفه في قول سيبويه معرفة ونكرة، لأن ألفها للتأنيث بمنزلتها في ذكرى، وتصرفه نكرة في قول أبي