فأذن له.
وفي اليوم التالي دخل الإمام الباقر (عليه السلام) على الوليد بن عبد الملك، فقام الخليفة من مكانه وأجلسه بجانبه، وهذا تعبير عن الاحترام الفائق عند العرب، وخاصة لرؤساء القبائل والأشراف، والإمام الباقر (عليه السلام) كان زعيم بني هاشم، وسيد قريش في زمانه، وكان الخليفة الأموي يعترف بعلمه وتقواه، وكان خلفاء بني أمية يتظاهرون بحب العلماء واحترامهم، فجرى حديث ودي بين الخليفة والإمام الباقر (عليه السلام).
سأل الوليد الإمام الباقر (عليه السلام) عما يملك في المدينة؟
فأجاب: إن لي مزرعة يكفيني وأهلي زرعها، ولم يسبق لي ما يمكن بيعه.
قال الوليد: إن شئت أعطيناك أرضا ومزرعة في أية بقعة من الدولة الإسلامية الشاسعة لتعيش مع أبنائك وأهلك وذويك في يسر وراحة.
فأجابه الإمام الباقر (عليه السلام): إن هذه المزرعة تكفيني وأهلي، وإن أولادي سوف يعملون، وإن الله يرزقهم جميعا، ثم قام من مجلسه وودع الخليفة وخرج.
كان الغرض الأول من زيارة الوليد للمدينة المنورة هو تفقد ما أنجز في توسيع مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومتابعة أعمال الترميم والتوسيع بنفسه.
وكانت مدرسة الإمام الباقر (عليه السلام) وحلقات دروسه تنعقد في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا، ودخل الوليد المسجد النبوي، فشاهد ما أنجز من أعمال التعمير والتوسيع، فسره ذلك، ثم أتى إلى رواق الإمام الباقر (عليه السلام)، وسلم على الإمام، فتوقف الإمام (عليه السلام) عن التدريس، ولكن الوليد طلب منه المضي فيه، وكان موضوع الدرس الجغرافيا، فاستمع الخليفة إلى حديث الإمام، وكان غريبا على مسمعه.