فقال هارون الرشيد: نعم، لقد أرسلت في طلبك مرتين ولم أجدك، فأرسلت في طلب ابن بهلة الطبيب ليعود إبراهيم بن صالح - وكان ابن بهلة الهندي طبيبا في بغداد أيضا وهو ينافس بختيشوع ويحسده على مقامه عند الخليفة -.
فأفزعه النبأ، وترك الطعام، وأمر برفع المائدة، وبعد ساعة، دخل ابن بهلة على الخليفة، وشاهد الحزن والقلق مرتسمين على وجهه.
فابتدره هارون الرشيد بالسؤال عن ابن عمه، وهل هو يحتضر.
فرد عليه ابن بهلة قائلا: لا، فقد فحصته، وأنا واثق من أنه سيبرأ من مرضه هذا.
فقال هارون الرشيد: أتكذب ابن بختيشوع، وهو طبيب أبا عن جد؟
فقال ابن بهلة: يا أمير المؤمنين، إن مات ابن عمك الليلة، فلك كل ما أملك ونفسي. فسره هذا، وزال عنه الحزن، وأمر بالطعام من جديد، وطلب الشراب، وأفرغ كأسا بعد أخرى، وفي هذه الأثناء، دخل عليه غلام ناعيا إبراهيم بن صالح قائلا: إنه مات لتوه، فأحزنه النبأ، وأغضبه أنه كان يتناول الشراب وقت وفاة ابن عمه، ولولا نشوة الخمر، لكان غضبه أشد، وأقبلت عليه الحاشية معزية مسلية.
وارتدى الخليفة السواد، وجاء إلى بيت ابن عمه ليشارك في تجهيزه ودفنه، وكان من جملة المجتمعين في البيت ابن بهلة الطبيب الذي كان ينظر إلى الميت نظرة تفحص وتأمل وهو مسجى على منضدة الغسل. فوقع نظر الخليفة على هذا الطبيب، وناداه غاضبا، فأقبل الطبيب على أمير المؤمنين قائلا: لا تغضب ولا تتعجل مؤاخذتي؛ لأن ابن عمك سيعيش.
فقال الخليفة: إني أمقت الكذب وأبغض الكذابين، وهذه فرية غليظة منك.