فقال ابن بهلة: إن ابن عمك لم يمت ميتة كاملة، فما زالت به نسمة حياة، ولسوف يعيش، ولكنني أخشى إن هو نهض ورأى نفسه عاريا على المغتسل أو في الكفن أن يكون وقع الصدمة عليه قاتلا، فلعلك تأمر بإزالة آثار الكافور عنه، وإعادته إلى ثيابه، ووضعه في سريره لأقوم بعلاجه.
فأمر هارون الرشيد بإنفاذ ما طلبه ابن بهلة، الذي تناول سكينا حادة، وقطع عرقا بين أصابع اليد اليسرى للمريض، فنزف دمه، وعندئذ رآه الجميع يتحرك ببطء. ولم يلبث أن فتح عينيه، فرأى هارون الرشيد واقفا عند رأسه، وشكره بصوت خفيض متخيلا أن الخليفة جاء لعيادته.
سبق القول بأننا نفتقر إلى شواهد تؤكد أن الإمام محمدا الباقر (عليه السلام) كان يدرس الطب، ولكننا واثقون من أن جعفرا الصادق (عليه السلام) درس علوم الطب في مدرسته، وكانت له فيها آراء ونظريات لم يسبقه إليها أحد في الشرق، ولا يقصد بالشرق هنا شبه الجزيرة العربية، إذ هي لم تعرف مدارس الطب، اللهم إلا الذي عرف عن العرب في هذا الميدان قبل الإسلام، من أن بعضا منهم درس الطب أو غيره من العلوم في جنديسابور بفارس، ومنهم النضر بن الحارث الذي عاصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان له موقف في معارضة الدعوة الإسلامية.
فإن قيل أن جعفرا الصادق (عليه السلام) تعلم في مدرسة أبيه محمد الباقر (عليه السلام)، وأخذ الطب وسائر العلوم عن أبيه، فمن أين استقى الإمام الباقر (عليه السلام) هذه العلوم؟
مر بنا أن الهندسة والجغرافيا انتقلا من مصر إلى المدينة المنورة، على أيدي أقباط مصر، أما الطب فلم تكن له عند العرب مدرسة قبل الإسلام، في حين